ويتحدث الجاحظ على الأوضاع الاقتصادية في البصرة والكوفة ويقارنها باوضاع الشام ومصر وبغداد وغيرها. فيجد الأموال غزيرة في الشامات والاشياء رخيصة لبعد المنقل وقلة عدد السكان، ولأن ما تنتجه ارضهم يفضل عن حاجتهم اما الاهواز وبغداد والعسكر فكثيرة الدراهم والمبيع لكثرة عدد السكان. واما في البصرة فالاثمان مقبولة ويكلف بناء الدور نصف ما يكلف بناء مثلها في بغداد. ويدخل ميناءها كل يوم نحو الفي سفينة. ويوجز خصائص البصرة بقوله: «ولم نر بلدة قط تكون اسعارها ممكنة مع كثرة الجماجم بها الا البصرة: طعامهم اجود الطعام، وسعرهم أرخص الاسعار، وتمرهم أكثر التمور، وريع دبسهم اكثر، وعلى طول الزمان أصبر، يبقى تمرهم الشهريز عشرين سنة..» .
وفي آخر الرسالة شيء عن الحرة في العراق، وهي لا تحظى برضا الجاحظ، إنها بيضاء اللون، وتربتها غبراء مشربة سوادا، وهي باردة الطبقس شتاء، حارة صيفا. ولا يرى فيها دارا تذكر سوى دار عون النصراني العبادي.
وللجاحظ رسالة أخرى عنوانها «الحنين الى الاوطان» . وقد شك السندوبي في نسبتها الى الجاحظ بينما اكد عبد السلام هارون تلك النسبة ولم يقطع بروكلمان في الأمر. ويبدو لي انها منحولة لأن موضوعها أي تعلق الانسان بوطنه قد طرقه الجاحظ في كتاب: الأوطان والبلدان، وتناوله في القسم الأول منه. وليس من الحكمة في شيء اعادة معالجته مجددا. وهذه الرسالة اعني الحنين الى الاوطان تخلو من الاصالة الفكرية التي نلفيها في كتاب «الأوطان والبلدان» حيث نجد الجاحظ ينم عن عمق في التفكير وحرص على ربط الظواهر باسبابها.
اما في الرسالة فلا شيء سوى جمع اقوال واشعار وأحاديث تتعلق بحب الانسان وطنه.
وفي الرسالة نعرة شعوبية، والجاحظ كان خصما عنيدا للشعوبية. وهذه النعرة تبدو من قول منسوب الى اعرابي موجه للجاحظ ظاهر الاضطراب