أما وصف الشيخ ابن محمود العلماء المتقدمين بأنه يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم وأنهم يستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله وأنهم لذلك أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمتضاربة والمختلفة فهو وصف لامز لا يليق بسلف الأمة ونقلة السنة الذين حمى الله بهم دينه وأقام شريعته فإن الله قد منحهم من الذكاء والفطنة والتثبت واليقظة ما جعلهم به أهلا لحفظ هذا الدين وأوعية لسنة رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم فقد روى ابن أبي حاتم في كتابه الجرح والتعديل عن أحمد بن سنان قال: "سمعت عبد الرحمن بن مهدي يقول: "خصلتان لا يستقيم فيهما حسن الظن الحكم والحديث" يعني لا يستعمل حسن الظن في قبول الرواية عمن ليس بمرضي" انتهى، وروى أيضا عن أبيه عن أبي بكر المعيطي عبيد الله بن أبي وهب قال: سمعت يزيد بن هارون يقول: "لا يجوز حديث الرجل حتى تجوز شهادته".
وروى بسنده إلى عمرو بن قيس قال: "ينبغي لصاحب الحديث أن يكون مثل الصيرفي الذي ينتقد الدراهم فإن الدراهم فيها الزائف والبهرج وكذلك الحديث". وروى عن أبيه عن عبدة بن سليمان قال: "قيل لابن المبارك هذه الأحاديث الموضوعة؟ قال: يعيش لها الجهابذة". وروى عن أبيه عن نعيم ابن حماد قال: "قلت لعبد الرحمن بن مهدي: كيف يعرف الكذاب؟ قال: كما يعرف الطبيب المجنون". وروى بسنده إلى ابن سيرين قال: "كان يقال إنما هذه الأحاديث دين فانظروا عمن تأخذونها". وروى بسنده إلى يعقوب بن محمد بن عيسى قال: "كان ابن شهاب إذا حدث أتى بالإسناد ويقول لا يصلح أن يرقى السطح إلا بدرجة". وروى عن محمد بن يحيى عن زنيج قال: "سمعت بهز بن أسد يقول إذا ذكر له الإسناد الصحيح: هذه شهادات العدول المرضيين بعضهم على بعض وإذا ذكر له الإسناد فيه شيء قال: هذا فيه عهدة ويقول: لو أن لرجل على رجل عشرة دراهم ثم جحده لم يستطع أخذها منه ألا بشاهدين عدلين فدين الله عز وجل أحق أن يؤخذ فيه بالعدول". هذه بعض نقول عن نقلة الآثار تبين مدى تيقظهم وتثبتهم وبعدهم عن التغفيل وإنها لإحدى الكبر أن يأتي آت في السنة المتممة للقرن الرابع عشر فيقول: "لكن العلماء المتقدمين يغلب عليهم حسن الظن بمن يحدثهم ويستبعدون تعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم من مؤمن بالله، ولهذا أكثروا من أحاديث المهدي المتنوعة والمختلفة والمتضاربة حتى بلغت خمسين حديثا في قول الشوكاني كما نقلها عنه السفاريني في لوائح الأنوار وأورد ابن كثير في نهايته الكثير منها". ثم إن هذا الناقد للعلماء المتقدمين الذي جاء في نهاية القرن الرابع عشر قد جاء في كلامه هذا بالذات ما يوضح عدم تمييزه بين من هو متقدم ومن هو متأخر إذ نسب إلى السفاريني أنه نقل في كتابه لوائح الأنوار عن الشوكاني أحاديث المهدي وكانت ولادة السفاريني في عام 1114 هـ ووفاته في عام 1188هـ أما الشوكاني فكانت ولادته في عام 1173 هـ ووفاته في عام 1250 هـ وقد ذكر السفاريني في أول كتابه لوامع الأنوار البهية أنه في سنة ثلاث وسبعين بعد المائة والألف طلب منه بعض أصحابه نظم أمهات مسائل اعتقاد أهل الأثر فنظمها في مائتي بيت وبضعة عشر بيتا وسماها الدرة المضية في عقد أهل الفرقة المرضية ثم بعد ذلك طلب منه هؤلاء الأصحاب شرح هذا النظم فشرحه بكتابه لوامع الأنوار البهية وهو واضح أن السفاريني بدأ بنظم الدرة المضية في السنة التي ولد فيها الشوكاني ثم بعد فراغه من النظم