الناظرين إلى محض القَدَر فإنهم إذا شهدوا الربوبية العامة والقيومية الشاملة لكل شيء وشهدوا الحقيقة الكونية ورأوا توحيد الربوبية ظنوا أن الكمال هو في الفناء في توحيد الربوبية وهذا غَلَط عظيم وضلال مبين وقع فيه كثيرٌ من السالكين.
وكان قد وقع بين الجُنَيد وأصحابه وبين طائفة من الصوفية في زمانه كلام في هذا المقام وهم يُسَمُّونه الجَمْع فقال الجُنَيد بعد هذا المقام الفرق الثاني تحقيق العبودية لله وهذا الفرق الذي انتقل إليه المؤمن فإنَّ العبدَ كان في الفرق الأول يشهد أكثر المخلوقات فانتقل إلى الجمع فيشهد وحْدَه الربوبية الشاملة لكل شيء ثم بعد هذا عليه أن يشهد الفرق الثاني وهو الفرق بين المؤمن والكافر والبر والفاجر وبين الذين آمنوا وعملوا الصالحات وبين المفسدين في الأرض فيشهد أن لا إله إلا الله فيفرق بينه وبين ما سواه بأنه هو الإله الذي يستحق العبادة دون ما سواه وأن عبادته بطاعة رسله فيعبد الله بطاعة رسوله فهذا فرق إلهي نبوي شرعي وبه بعث الله الرُّسُل وأنزل الكتب.
والفناء في هذا المقام أن يفنى بعبادة الله عن عبادة ما سواه وبمحبته عن محبة ما سواه وبطاعته عن طاعة ما سواه وبخوفه عن خوف ما سواه وبالتوكل عليه عن التوكل على ما سواه وهذا هو دين الإسلام الذي بعث الله به الرسل وأنزل به الكتب.
وأمَّا الفناء في توحيد الربوبية فذاك نقصٌ عن الشهود الواجب