النفوس بعد خروجها من هذه الدار من الهلكة التي ليس معها ولا بعدها شيء من الخير ولا بأقل ولا بأكثر فلا سبيلَ إلى معرفة حقيقة مراد الخالق عز وجل منا ولا إلى معرفة طريق خلاصنا إلا بالنبوة.
وأما بالعلوم الفلسفية التي قد قدمنا فلا أصلاً ومن ادَّعى ذلك فقد ادَّعى الكذب لأنه يقول بذلك بلا برهان ألبتة وما كان هكذا فهو باطل ولا يعجز أحد عن الدعوى وليست دعوى أحد أولى من دعوى غيره بلا برهان.
ثم البرهان قائم على بطلان هذه الدعوى لأن الفلاسفة الذين يستند إليهم هذا المدَّعي مختلفون في أديانهم كاختلاف غيرهم سواء سواء فوجب طلب الحقيقة من ذلك عند من قام البرهانُ على أنه إنما يخبر عن خالق العالم ومدبره عز وجل.
قال وهذا مكانٌ يُلزم العالمَ الناصح لنفسه أن لا يجعل كدَّه ولا سعيه ولا اجتهاده إلا في الوقوف على حقيقته وإلا فهو موبقٌ لنفسه وأن لا يشتغل عن ذلك بعلمٍ يقلّ نفعه ومن فَعَل ذلك فهو ضعيف العقل فاسد التمييز سيئ الاختيار مستحقُّ الذم جانٍ على نفسه