- الجواب عن قول المعترض: (وأبو ثور نفسه نقل الإجماع)

فقول المجيب: أبو ثور لم يُسَلِّم الطلاق، لكن قال: إِنْ كانَ فيه إجماع؛ فالإجماعُ أولى ما اتبع، وإلا فالقياس أنه كالعتق= جوابٌ عن أبي ثور لمن احتج عليه بقياس العتق على الطلاق، فإنَّ أبا ثور لم يسلم الحكم في الطلاق ابتداءً، بل قال: كل يمين يَحلف بها الإنسان فعليه الكفارة على ظاهر الكتاب إلا أَنْ تجتمع الأمة على خلاف ذلك؛ فكان مقتضى ظاهر الكتاب وهو مقتضى القياس عنده: تكفير الحلف بالطلاق كتكفير سائر الأيمان، وهو قد أخبر أنه يقول بذلك إلا أَنْ يكون ثَمَّ إجماع، ثم ظَنَّ الإجماع في الطلاق فقال بنفي تكفيره لظن الإجماع، لا لأنه عنده مقتضى دلالةِ النص والقياس، بل لأنَّ الإجماعَ عنده أولى بالاتباع من الظاهر والقياس، فإذا عُلِمَ أنه ليس ثَمَّ إجماع منع الحكم في الطلاق على أصله (?).

فلو قال الشافعي أو أحمد بن حنبل أو غيرهما مثل هذا، فقال: مقتضى الدليل عندي كذا وأنا أقول به إلا أَنْ يكون ثَمَّ إجماعٌ على خلافه وَظَنَّ الإجماع، ثم وَجَدَ أصحابه النزاع لقالوا: قوله المعلَّق هو القول الذي قاله وعلقه على عدم الإجماع، كالقول الذي يعلقه على صحة الحديث وأولى.

وأما قوله: وأبو ثور نفسه نقل الإجماع؛ فقد علمنا ذلك، لكنْ مراده بذلك: أني لا أعلم نزاعًا، وأني أظن عدم النزاع؛ هكذا قال عن نفسه فيما يحكيه من الإجماع، ليس نقله للإجماع كنقله لما سمعه من أقوال العلماء منهم أو ممن نقل عنهم، بل هذا أمرٌ اجتهادي مستنده الاستقراء وتتبع الأقوال، فلمَّا لم يجد فيما بلغه من أقوال العلماء من قال بالتكفير= ظَنَّ أنه لا قائل به.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015