كما يقول أهل الحديث: لم يرو هذا غيرُ فلان، وكما يقول بعض أتباع الأئمة: لم يذكر هذا القول أو هذا الوجه إلا فلان؛ فهذا كله مستنده فيه الاستقراء والتتبع، وهو قولٌ باجتهاد واستقراء يقع فيه الصواب والخطأ، ليس هو من باب نقل الأحاديث وأقوال العلماء التي تنقل بالسماع أو بما يوجد في الكتب عنهم.

ولهذا يُفَرَّقُ في الشهادة واليمين بين الإثبات والنفي؛ فإذا حَلَفَ على الإثبات حَلَفَ على البَتِّ، وإذا حَلَفَ على النفي لفعل غيره أو الدعوى على غيره لم يحلف إلا على نفي العلم.

إذا قال: أبوك غصبني أو اقترض مني أو اشترى مني، وكذلك الشاهد إذا شَهِدَ بحصر الورثة قال: ليس له وارث غيره، مع أَنَّ العلم بانتفاء هذا يحصل كثيرًا، أو قال: إنه مفلس ليس له مال، أو إنه رشيد لا يُضَيِّعُ مالهُ؛ فمثل هذه الشهادات التي تتضمن نفيًا وتُعلم بالاجتهاد إنما تُقبل من أهل الخبرة بذلك، فتقبل كما تقبل شهادات الاجتهاد؛ ولهذا قد يَمنع من مثل هذه الشهادات من [يطلب اليقين] (?) بالشهادة.

ولهذا إذا كانت هذه الشهادة مما تُعلم أسبابها= لم تقبل إلا مُفَسَّرةَ السببِ كالجرح والإخبار [عَمَّا يُعْلَم بالسمع والرؤية] (?) والشهادة باستحقاق القَوَد ونحو ذلك؛ فالخبر الذي مستنده اجتهاد الشاهد هو من جنس القيافة والخرص والتقويم، ومن جنس الفتيا والحكم بالاجتهاد؛ ليست مثل الخبر عن الأمور المعلومة بالسمع والرؤية.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015