قال: (ولم يجتمعوا على ذلك إلا في الطلاق، فأسقطنا عن الحالف بالطلاق الكفارة وألزمناه الطلاق للإجماع، وجعلنا في العتق الكفارة لأنَّ الأمة لم تجتمع على أن لا كفارة فيه) (?).
فهذا أبو ثور -رحمه الله تعالى- يُصَرِّحُ بأنَّ كل يمين حَلَفَ بها الإنسان فعليه الكفارة على ظاهر الكتاب إلا أَنْ تُجْمِع الأمة على أَنْ لا كفارة فيه، فأثبتَ الكفارة في كل يمين إلا إذا كان إجماعٌ على نفي الكفارة، وَظَنَّ أَنَّ في الطلاق إجماعًا على نفي الكفارة فيه، فإذا قُدِّرَ انتفاءُ هذا الإجماع: فأيُّ القولين هو قوله؟ ! قوله: إِنَّ كل يمين يحلف بها الإنسان فعليه الكفارة على ظاهر الكتاب إلا أن تجمع الأمة على أن لا كفارة فيه؛ فإذا كان حلف لم تجتمع الأمة على أن لا كفارة فيه= كان قولَ أبي ثور -رحمه الله تعالى- فيه إنَّ فيه الكفارة بهذه العبارة الصريحة.
وقوله: ولم يجتمعوا إلا في الطلاق إثباتٌ لإجماعهم في الطلاق، والإجماع عنده معناه: عدم العلم بالنزاع، فإذا قُدِّرَ أَنَّ ثَمَّ نزاعًا لم يعلمه= كان الإجماع منتفيًا قطعًا، وكان هذا مما أثبت فيه الكفارة لا مما نفى فيه الكفارة، فإنه أثبتَ الكفارةَ إلا على تقدير شرطٍ وذاكَ منتفٍ، ونفاها فيه على تقدير ثبوته وليس بثابت؛ فَعُلِمَ أنه لا ينفيها في نفس الأمر.
ولو قال: عبدي حر إلا أنْ تكون الأمة قد اجتمعت على عدم تكفير الحلف -وَظَنَّ أنها أجمعت-، ثم تبين بعد موته أنه لا إجماع= حُكِمَ بعتق العبد لوجود الموجِب لعتقه وانتفاء عدم شرط العتق.