والفرق المفيد إنما يكون إذا كان بين الألفاظ تناقض، وهذا لا تناقض فيه إلا إذا حمل اللفظ على لفظٍ ليس في الكلام ما يدل عليه، وَجُعِلَ مدلولُ ذلكَ اللفطْ يُخالف مدلولَ لفظ الروايتين الأخريين؛ كما فعل هذا المتكلف حيث حَمَلَ قولَهُ: (حَلَفت بالهدي والعتاقة)؛ على أنها قالت: (العتق يلزمني). وليس في لفظ الراوي ما يدل على أَن هذا لفظ الحالف.
بل لا ريب أَنَّ مَنْ قال: إِنْ فعلتُ كذا فكل مملوك لي حر= حالفٌ بالعتاقة، ثم لو قُدِّرَ أَنَّ هدْا لفظُهُ؛ فقوله: العتق يلزمني، كقول القائل: الطلاق يلزمني، وهذا ظاهرٌ في لزومِ الوقوعِ، فكذلك قوله: العتق يلزمني، وهذا في معنى قوله: إِن فعلت فكل مملوك لي حر، لكن مع هذا؛ فالذي يجب حمل الروايةِ المجملةِ على المفسرة، وهو أنه قال: إن فعلت فكل مملوك لي حر.
فصلٌ
قال: (ومن هنا -والله أعلم- قال مَنْ قال: إِنَّ مثل هذه المذاهب القديمة لا يجوز للعامي تقليدها، وليس ذلك لأمرٍ يرجع إلى أصحابها - حاشى لله -؛ بل هم أئمة الهدى وينابيع العلم، ولكنه لم يُعْتَنَ بجمعِ أقوالِ قائلها وتدوينها اعتناء تامًّا حتى يستدل ببعضها على بعض، وبمبيَّنها على مجملها، وبخاصِّها على عامِّها، وبمقيَّدها على مطلقها، كما فعل أتباع المذاهب المشهورة، وتناقلوها نقلًا مستفيضًا بحيث صار يحصل لكثيرٍ من المتمذهبين الظنُّ القويُ بأن تلك الأحكام هي قول إمامه ومذهبه، وتناقلها المُرَجِّحُون لها قرنًا بعد قرن، عددًا يبلغ حَدَّ التواتر في معظم المسائل والقواعد من لدن زمان إمامه إليه، لا كَفُتيَا مُطْلَقَة تُنْقَلُ عَنْ إمامٍ لا يُدرى ما أراد بها، وهل اقترن بها أمر يقتضي ذلك أم لا؟