بخلاف هذا، فكونه حقًّا لآدمي يتناول ما إذا التزم حقًّا لآدمي أو أوقع ما يتضمن حقًّا لآدمي، وفي كون أحدهما التزامًا لا يقدح في كون كل منهما حقًّا لآدمي، فعلم أن كونه حقًّا لآدمي وصفٌ غير موجِب للوقوع.
بل ثَمَّ جوابٌ آخر، وهو: أَنَّا لا نُسَلِّم أَنَّ الطلاق والعتاق حق لآدمي، بل هما حقان لله؛ أما الطلاق فباتفاق الأئمة، ولهذا لو شهد به شهود من غير تقدم دعوى أحدٍ صَحَّت شهادتهم به باتفاق الأئمة، وحقوق الآدميين ليست كذلك.
وأما العتق؛ فإذا شهدوا به ابتداءً صحت شهادتهم عند الأكثرين وهو مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد وأصحاب أحمد وغيرهم، وقال أبو حنيفة: لا تقبل، لأن فيها حقًّا للعبد، والأكثرون قالوا: المُغَلَّب فيه حق الله، فالطلاق قد اتفقوا على أنه حق لله.
وأيضًا؛ فلو كان الطلاق حقًّا لآدمي = لوجب بالنذر إذا قال: لله عليَّ أَنْ أُطلقك، كما يجب العتق إذا قال: لله عليَّ أَنْ أعتقك؛ ولَمَّا لم يجب بالنذر = عُلِمَ أنه ليس فيه حق لآدمي، وليس هو قربة إلى الله؛ فلهذا لم يجب بالنذر، وإن كان فيه له حَقُّ التحريم الذي يوجبه الطلاق، فإنَّ حرمة الفروج حق لله -تعالى-، ليس للعباد إحلال ما حرمه الله من الفروج، كتحريم الخبائث وذوات المحارم فإنها حق محض لله، ليس لأحد إحلال ما حرمه الله، بخلاف ما حُرِّمَ لحق الآدميين كالأموال والدماء، فإنه يجوز الإبراء والعفو عنها، ويجوز بذل المال ابتداءً وإن لم يجز بذل الدم، بخلاف الفروج فإنها لا تباح بالإباحة، ولا يسقط إثمها وعقوبتها بالعفو.