وأما الكهانة والعرافة: فإن الكهانة مختصة بالأمور المستقبلة، والعرافة
مختصة بالأمور الماضية، وكان ذلك في العرب كثيرًا، وآخر من وجد، وروي عنه الأخبار العجبية سطيح، وسواد بن قارب. وقيل: كان وجود ذلك في العرب أحد أسباب معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم - لما كان يخبر به ويحث على اتباعه، ثم نزع عنهمِ ذلك بعد النبوة، حتى روي: " لا كهانة بعد النبوة "، وقال - صلى الله عليه وسلم -: " من أتى عرافَا أو كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " تنبيها أنه قد رفع.
ومما يجري مجراها الطيرة، وهو: تشاؤم الإنسان بشيء يقع تحت المناظر والمسامع مما تنفر منه النفس مما ليس بطبيعي، فأما نفارها مما هو طبيعي في الإنسان كنفاره من صرير الحديد وصوت الحمار فلا يعد من هذا، واشتقاقه من الطير، وأصله في زجر الطير، وما سواه ملحق به، وعلى ذلك قول الشاعر:
وما أنا ممن يزجر الطير حوله ... أصاح غراب أم تعرض طائر
ثم كثر في غيره حتى قال تعالى حكاية عمن أخبر عنه: (قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ (47)
أي: السبب الذي يسعدكم ويشقيكم عند اللَّه، وقال تعالى: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ) .
وسمي عمل الإنسان الذي يعاقب عليه طائرًا قال تعالى: (وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ)