والنظر: هو إجالة الخاطر نحو المرئي لإدراك البصيرة إيَّاه، فللقلب عين كما أن للبدن عينًا، فمن صحت عين قلبه، وأعانه نور اللَّه اطلع على حقائق الأشياء، وأدرك العالم العلوي وهو في الدنيا، فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولكون الاطلاع عليه ممكنًا قال أمير المؤمنين علي - رحمه الله -: " لو كشف الغطاء ما ازددت يقينًا ".
والرأي: إجالة الخاطر في رؤية ما يريده، وقد يقال للقضية التي تثبت عن الرأي رأي.
والرأي للفكرة كالآلة للصانع التي لا يستغني عنها، ولا يكون إلا في الأمور
الممكنة دون الواجبة والممتنعة، ويكون في جملة الممكنات مما تكون إلينا، فالطبيب لا يجيل رأيه في نفس البرء، وإنما يجيله في كيفية الوصول إليه.
ويحتاج الرأي إلى أربعة أشياء: اثنان من جهة الزمان في التقديم والتأخير:
أحدهما: أن يعيد النظر فيما يرتئيه، (ولا يجعل إمضاءه حتى يعب، فقد تي، @:
إياك والرأي الفطير، وقد قيل: دع الرأي يعب. وأكثر من يستعجل في ذلك ذو النفوس الشهمة والأمزجة الحادة.
والثاني: لا يدافع به بعد إحكامه، فقد قيل: روِ تحزم وإذا استوضحت فاعزم،
وقيل: أحزم الناس من إذا وضح له الأمر صدع فيه، وقال تعالى: (فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)
وأكثر من يدافع ذوو النفوس المهينة والأمزجة الباردة.
واثنان من جهة الناس:
أحدهما: ترك الاستبداد بالرأي، فالاستبداد بالرأي من فعل المعجب بنفسه،
وقد قيل: الأحمق من قطعه العجب بنفسه عن الاستشارة، والاستبداد عن الاستخارة.
والمأني: أن يتخير من تجوز مشاورته.
فما كل ذي لب مؤتيك نصحه ... وما كل مؤت نصحه بلبيب