وقيل: هي الاقتداء بالخالق في السياسة بقدر طاقة البشر، وذلك بأن يجتهد أن ينزه عمله عن الجهل، وعدله عن الجور، وجوده عن البخل، وحلمه عن السفه، وبنحو هذا العقل يقرب العبد من خالقه سبحانه في الدنيا.
ونسبة العلوم إلى الحكمة من وجه كنسبة الأعضاء إلى البدن في كونها أبعاضًا لها، ومن وجه كنسبة المرؤوسين إلى الرئيس في كونها مستولية عليها، ومن وجه كنسبة الأولاد إلى الأم في كونها مولدة لها ومي في معارف الشرع اسم للعلوم العقلية المدركة بالعقل، وقد أفرد ذكرها في عامة القرآن عن الكتاب، فجعل الكتاب اسمًا لما لا يدرك إلا من جهة النبوات، والحكمة لما يدرك من جهة العقل. وجعلا منزلين وإن كان إنزالهما من اللَّه تعالى.
وقد يكونان مختلفين، وجمع بينهما في الذكر لحاجة كل واحد منهما إلى الآخر، فقد قيل: لولا الكتاب لأصبح العقل حائرًا، ولولا العقل لم ينتفع بالكتاب، وقيل: الكتاب بمنزلة اليد والحكمة بمنزلة الميزان ولا تعرف المقادير إلا بهما؛ ولذلك عبر عن الحكمة بالميزان في قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ) .
ولا ييلغ الحكمةَ إلا أحدُ رجلين: إما مهذب في فهمه، موفق في فعله، ساعده معلم ناصح وكفاية وعمر.
وإما إلهي، يصطفيه اللَّه فيفتح عليه أبواب الحكمة بفيض إلهي،
ويلقي إليه مقاليد جوده، فيبلغه ذروة السعادة، وذلك فضل اللَّه يؤتيه من يشاء واللَّه ذو الفضل العطم.
العقل إذا أشرق في الإنسان يحصل عنه العلم والمعرفة والدراية والحكمة، وقد تقدم ذكرهن، ويحصل عنه أيضًا الذكاء، والذهن، والفهم، والفطنة، وجودة الخاطر، وجودة التوهم، والتخيل، والبديهة، والكيس، والخبر، وإصابة الظن، والفراسة، والزكانة،