علامة على الشيء وهذا إذا اعتبر حقيقته مما يتبين به شرف اللغة العربية.
وأما الفرق بين العلم البسيط - أعني المتعدي إلى مفعول واحد - وبين المعرفة، فهو أن المعرفة قد تقال فيما تدرك آثاره وإن لم تدرك ذاته، والعلم لا يكاد يقال إلا فيما يدرك ذاته، ولهذا يقال: فلان يعرف اللَّه، ولا يقال: يعلم اللَّه، لما كانت معرفته تعالى ليست إلا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته، وأيضًا فالمعرفة تقال فيما لا يعرف إلا كونه موجودًا فقط، والعلم أصله أن يقال فيما يعلم وجوده، وجنسه وكيفيته وعلته، ولهذا يقال:
اللَّه تعالى عالم بكذا ولا يقال: عارف به، لما كان العرفان يستعمل في العلم القاصر.
وأيضًا: فالمعرفة تقال فيما يتوصل إليه بتفكر وتدبر، والعلم قد يقال في ذلك وفي غيره ويضاد العرفان والإنكار، والعلم والجهل.
وأما الدراية: فالمعرفة المدركة بضرب من الحيل وهو تقديم المقدمة وإجالة الخاطر
واستعمال الروية، وأصله من دريت الصيد، والذرية تقال لما يتعلم عليه الطعن، وللناقة التي يسيبها الصائد ليأنس الصيد بها فيرمي من ورائها، والمددي يقال لما يصلح به الشعر، ولقرن الشاة، ولا يصح أن يوصف بذللث الباري تعالى، لأن معنى الحيل لا يصح عَليه، ولم يرد بذلك سمع فيتبع، وقول الشاعر:
اللهم لا أدري ... وأنت الداري
فهو من تعجرف الأعراب الأجلاف
وأما الحكمة: فاسم لكل علم حسن وعمل صالح، وهو بالعلم العملي أخص منه بالعلم النظري وفي العمل أكثر استعمالًا منه في العلم، وإن كان الفعل لا يكون محكمًا من دون العلم به، ومنها قيل: أحكم العمل إحكامًا، وحكم بكذا حكمًا.
والحكمة من اللَّه تعالى إظهار الفضائل المعقولة المحسوسة، ومن العباد معرفة ذلك بقدر طاقة البشر، وقد حدت الحكمة بألفاظ مختلفة على نظرات مختلفة، فقيل: هي معرفة الأشياء الموجودة بحقائقها، ويعني كليات الأشياء، فأما جزئياتها فلا سبيل للبشر إلى الإحاطة بها، وهذا الحد بحسب اعتبارها بالعلم.
وقيل: هي إماتة الشهوات على ما يجب، وهذا الحد بحسب اعتبارها بالعمل فيما هو غاية المراد من الإنسان.