ومن تصور ذلك علم أن اللَّه تعالى قد أباح الدنيا كلها لأوليائه، علمًا منهم أنهم لا يتناولونها إلَّا على ما يجب وكما يجب، وإذا تناولوها وضعوها كما يجب وحيث ما يجب، وعلى هذا قال: (إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ (128)

وقال تعالى: (أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)

إلى غير ذلك من الآيات التي تقدم ذكرها.

ما ينال أرباب الدنيا من العقوبات الدنيوية

للَّه - عز وجل - عقوبتان في معاقبة من تناول ما لا يجوز له تناوله من الدنيا، أو يتناوله من الوجه الذي يجوز له لكنه لم يوف حقه.

إحدى العقوبتين: ظاهرة للبصر والبصيرة، وذلك عقوبة من غصب مالاً مجاهرة، أو سرقة خفية، وكمن منع حق اللَّه من الزكوات فإن عقوبات ذلك ظاهرة، وأمر السلطان بإقامتها.

والثانية: خفية عن البصر مدركة ببصائر أولي الألباب كعقوبة من تناول مالًا من حيث لا يجوز تناوله، أو منعه من حيث لا يجوز منعه، لا على وجه فيه حد أمر السلطان بإقامته، فهذا عقوبته ما روي: " أيما عبد سكن قلبه حب الدنيا بلي بثلاث:

شغل لا يبلغ مداه، وفقر لا يدرك غناه، وأمل لا يدرك منتهاه "،

وما قال - صلى الله عليه وسلم -: " من كانت الدنيا أكبر همه شتت اللَّه عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يبال اللَّه في أي واد من الدنيا أهلكه ".

وعلى ذلك قال تعالى: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ (55)

وقال: (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا.

وليس يعني قلة المعيشة، وإنما يعني ما يقاسي فيها من الغموم والهموم التي تكدر العيش عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015