الإنفاق المحمود والإنفاق المذموم

الإنفاق ضربان: ممدوح ومذموم.

فمالممدوح: منه ما يكسب صاحبه العدالة، وهو بذل ما أوجبت الشريعة بذله، كالصدقة المفروضة، والإنفاق على العيال، ومنه ما يكسب صاحبه أجرًا وهو الإنفاق على من ألزمت الشريعة الإنفاق عليه، ومنه ما يكسب صاحبه الحرية، وهو بذل ما ندبت الشريعة إلى بذله، فهذا يكتسب من الناس شكرًا، ومن ولي النعمة أجرًا.

والمذموم ضربان:

إفراط: وهو التبذير والإسراف، وتفريط: وهو التقتير والإمساك،

وكلاهما يراعى فيه الكيفية والكمية.

فالتبذير من جهة الكمية أن يُعطي أكثر مما يحتمله حاله، ومن جهة الكيفية فبأن يضعه في غير موضعه، والاعتبار فيه بالكيفية أكثر منه بالكمية، فرب منفق درهمًا من ألوف وهو في إنفاقه مسرف وببذله مفسد ظالم، كمن أعطى فاجرة درهمًا، أو اشترى خمرًا.

ورب منفق ألوفًا لا يملك غيرها هو فيها مقتصد وببذلها مجتهد، كما روي في شأن الصديق أبي بكر - رضي الله عنه -.

وقد قيل لحكيم: متى يكون بذل القليل إسرافًا والكثير اقتصادًا، قال: إذا كان بذل القليل في باطل وبذل الكثير في حق.

والتقتير من جهة الكمية أن ينفق دون ما يحتمله حاله، ومن حيث الكيفية أن يمنع من حيث يجب، ويضع حيث لا يجب.

والتبذير عند الناس أحمد، لأنه جود لكنه أكثر مما يجب، والتقتير بخل، والجود على كل حال أحمد من البخل، لأن رجوع المبذر إلى السخاء سهل، وارتقاء البخيل إليه صعب، ولأن المبذر قد ينفع غيره وإن أضر بنفسه والمقتر لا ينفع غيره ولا نفسه.

على أن التبذير في الحقيقة هو من وجه أقبح، إذ لا إسراف إلَّا وبجانبه حق مضيع، ولأن التبذير يؤدي بصاحبه إلى أن يظلم غيره، ولهذا قيل: الشحيح أعذر من الظالم؛ لأنه جاهل بقدر المال الذي هو سبب استبقاء النفس، والجهل رأس كل شر، والمتلاف المبذر ظالم من وجهين: لأخذه من غير موضعه، ووضعه في غير موضعه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015