(فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (53) .
وإما كاره لها، يكابدها مع كراهيته إياها، كأنه لا يجد عنها بديلًا، وعلى هذا دل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: " كل ميسر لما خلق له "، بل صرح تعالى بذلك في قوله: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا) وقوله تعالى: (وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ)
وقوله تعالى: (قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ) .
ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: " لن يزال الناس بخير ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا "
فالتباين والتفرق والاختلاف في نحو هذا الموضع سبب الالتئام والاجتماع والاتفاق، كاختلاف صور الكتابة وتباينها وتعددها الذي لولاه لما حصل لها نظام، فسبحان اللَّه ما أحسن ما صنع وأحكم ما أسس، وأتقن ما دبر، ولهذا قيل: من حق من قيض اللَّه له صناعة مباحة فرزق منها أن يراعيها على ما يجب وكما يجب، وعليه دل قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
" من رزق من شيء فليلزمه ".
حصول الفقر وخوفه المنتجان للحرص هما الباعثان على الجد واحتمال الكدر في منفعة الناس إما باختيار، وإما باضطرار، ولهذا قيل: رب ساع لقاعد، وهو أن الناس لو كفى كل واحد منهم أمره لأدى إلى فساد العالم، من حيث إنه لم يكن لأحد أن يتولى لغيره مهنة، وكان الواحد منهم يعجز عن القيام بمصالح نفسه كلها فيؤدي ذلك إلى فقر جميعهم.
وقد قيل: قيام العالم بالفقر أكثر من قيامه بالغنى، لأن الصناعات القائمة بالغنى ثلاث: الملك، والتجارة، والكتابة، وسائرها قائم بالفقر.