مكروه بالمخدوع وهو الذي قصده النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: " المكر والخديعة في النار "

والمعنى: أنهما يؤديان بقاصدهما إلى النار.

والثاني على عكس ذلك وهو أن يقصد فاعلهما إلى استجرار المخدوع والممكور به إلى مصلحة لهما كما يفعل بالصبي إذا امتنع من تعلم خير، وقد قال بعض الحكماء:

المكر والخديعة محتاج إليهما في هذا العالم، وذلك أن السفيه يميل إلى الباطل ولا يميل إلى الحق ولا يقبله " لمنافاته لطبعه، فيحتاج أن يخدع عن باطله بزخارف مموهة كما يخدع الطفل عن الثدي عند الفطام، ولهذا قيل في مثل: مخرق بأنها الدنيا مخاريق، وسفسط فإن الدنيا سوفسطائية، وليس هذا حث على تعاطي الخبث، بل هو حث على جذب الناس إلى الخير بالاحتيال، ولكون المكر والخديعة ضربين: سيئًا وحسنًا قال اللَّه تعالى: (وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُولَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)

وقال تعالى: (فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا (42) اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)

وقال تعالى: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ)

فخص في هذه الآيات السىء من المكر تنبيهًا على جواز المكر الحسن، فقال: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) .

وأما الكيد: فإرادة متضمنة لاستتار ما يراد عمن يراد به، وأكثر ما يستعمل ذلك في الشر، ومتى قصد به الشر فمذموم، ومتى قصد به خير فمحمود، وعلى الوجه المحمود

قال - عز وجل -: (كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ)

وعلى ذلك الاستدراج منه أيضًا نحو قوله: (سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (183)

فاستدراجه - عز وجل - تغطية السبيل على الإنسان وتمكينه فيما يريد ليطلب بالآلات التي أعطاه، وذلك تكليف له لما يقدر عليه

وإن كان فيه مشقة، ولتمكنه من إدراك ذلك قال تعالى: (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ (9) وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (10)

فمن جاهد في سبيله وأعمل فكره حتى ظفر به فسلكه على ما يجب وكما يجب سهل عليه الوصول وكان ذلك منه منة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015