وإحسانًا ولطفَا، ومن عطل معاونه من الفكرة والسمع والبصر حتى أضل طريقه كان ذلك منه خذلانًا وعذابًا له، وعلى نحو ما تقدم وصف نفسه تعالى بالحيلة والماحلة في قوله تعالى: (وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (13) .

وهذه الألفاظ لولا أن الباري - عز وجل - أطلقها في مواضع مخصوصة قاصدًا لمعانِ صحيحة لما تجاسر بشر يعرف اللَّه تعالى أن يخطر ذلك بباله، فضلًا عن أن يجريه في مقاله، وإن قصد بها المعنى الصحيح تنزيهًا له

وتعظيمًا.

فيجب أن تتلى في القرآن حيثما وردت ولا يتعدى بها ذلك، وقد ذكر بعض

المخلصين أن كثيرًا من الأوصاف الشريفة كالرحيم والغفور والودود ما كان واحد يتجاسر أن تطلق عليه - عز وجل - لولا ورود السمع به في هذه الأسماء، لما في هذه الأسماء من الكيفية والكمية والانفعال في وضع اللغة، واللَّه تعالى منزه عن كل ذلك، وهذا فصل كبير يختص به غير هذا الكتاب.

ماهية المحبة وأنواعها

المحبة: ميل النفس إلى ما تراه وتظنه خيرًا، وذلك ضربان:

أحدهما: طبيعي: وذلك في الإنسان وفي الحيوان، وقيل: قد يكون ذلك في

الجمادات كالألف بين الحديد وحجر الغناطيس.

والثاني: اختياري: وذلك يختص به الإنسان، وأما ما يكون بين الحيوانين فألفة، وهذا الثاني أربعة أضرب:

الأول: للشهوة، وأكثر ما يكون بين الأحداث.

والثاني: للمنفعة، ومن جنسه ما يكون بين التجار وأصحاب الصناعة الهنية

وأصحاب المذاهب.

والثالث: مركب من الضربين، كمن يحب غيره لنفع، وذلك الغير يحبه للشهوة.

والرابع: للفضيلة، كمحبة المتعلم للعالم، وهذه المحبة باقية على مرور الأوقات، وهي المستثناة باتوله تعالى: (الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) .

وأما الضروب الأُخر: فقد تطول مدتها وتقصر بحسب طول أسبابها وقصرها.

والصداقة: أخص من المحبة وقلما تقع بين جماعة ولا تستعمل إلا في الحيوان.

وأما العشق: فمحبة بإفراط، وذلك إما بحسب اللذة فيكون مذمومًا، وإما بحسب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015