(قال) ابن الحاج: ثم انظر إلى تلك الالفاظ الجليلة التي شرعها عليه الصلاة والسلام لأمته ليرشدهم إلى مصالحهم الدنيوية والأخروية، وهي (اللهم) أي أسألك بجميع ما سئلت به، ويؤيده ما نقل أنه اسم الله الأعظم الذي ترجع إليه جميع الاسماء (انني استخيرك بعلمك) القديم الكامل لا بعلمي أنا المخلوق القاصر، فمن فوض الأمر إلى ربه اختار له ما يصلح (وأستقدرك بقدرتك) القديمة الأزلية، لا بقدرتي أنا المخلوقة المحدثة القاصرة، فمن تعرى عن قدرة نفسه وكانت قدرته منوطة بقدرة ربه عز وجل مع السكون والضراعة إليه، فلا شك في وجود الراحة له، إما عاجلاً أو آجلاً أو هما معاً، وأي راحةٍ أعظم من الانسلاخ من عناء التدبير والاختيار والخوض بفكرة عقله فيما لا يعلم عاقبته، (وأسألك من فضلك العظيم) فمن توجه بالسؤال إلى مولاه دون مخلوقٍ واستحضر سعة فضل ربه عز وجل وتوكل عليه ونزل بساحة كرمه، فلا شك في نجح سعي من هذا حاله، اذ فضل المولى سبحانه وتعالى أجل وأعظم من ان يرجع إلى قانون معلوم وتقدير (فإنك تقدر ولا أقدر،
(وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب) فمن تبرأ وانخلع من تدبير نفسه وحوله وقوته ورجع بالافتقار إلى مولاه الكريم الذي لا يعجزه شيء، فلا شك في قضاء حاجته وبلوغ ما يؤمله وقع الراحة (أو قال في عاجل أمري وآجله) الشك هنا من الراوي في أيهما قال عليه الصلاة والسلام. وإذا كان كذلك فينبغي للمكلف أن يختاط لنفسه في تحصيل بركة لفظه عليه الصلاة والسلام على القطع فيأتي بهما معاً (فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه) فمن رضي بما اختاره له سيده العالم بعواقب الأمور كلها وبمصالح الأشياء جميعها بعلمه القديم الذي لا يتبدل ولا يتحول، فقد