ومن خطب لهم في دعوتهم, وقد انتشرت هذه الفتاوى, وعرفها الخاص والعام, فكانت حاجزًا منيعًا بين العوام, وبين التردي في دعوة الرافضة (?). ومن أشهر هؤلاء العلماء الذين حصنوا الأمة بمنهج أهل السنة والجماعة في الشمال الإفريقي في تلك الفترة الحرجة الشيخ أبو إسحاق السبائي رحمه الله, والذي رأى أن الخوارج من أهل القبلة فاجتهد في الوقوف معهم ضد الكفرة العبيديين.
قال الشيخ الفقيه أبو بكر بن عبد الرحمن الخولاني: «خرج الشيخ أبو إسحاق السبائي -رحمه الله تعالى- مع شيوخ إفريقية إلى حرب بني عدو الله مع أبي يزيد, فكان أبو إسحاق يقول -وهو يشير بيده إلى عسكر أبي يزيد-: هؤلاء من أهل القبلة وهؤلاء ليسوا من أهل القبلة يريد عسكر بني عدو الله, فعلينا أن نخرج مع هذا الذي من أهل القبلة لقتال من «هو» على غير القبلة -وهم بنو عدو الله- فإن ظفرنا «بهم» لم ندخل تحت طاعة أبي يزيد؛ لأنه خارجي, والله عز وجل يسلط عليه إمامًا عادلاً فيخرجه من بين أظهرنا ويقطع أمره عنا».
والذين خرجوا معه من الفقهاء والعباد: أبو العرب بن تميم, وأبو عبد الملك مروان بن نصروان, وأبو إسحاق السبائي, وأبو الفضل المسمى, وأبو سليمان
ربيع القطان (?).
وكان ربيع القطان أول من شرع في الدعوى إلى الجهاد ضد العبيديين وندب الناس وحضهم عليه.
ولما حضرت صلاة الجمعة طلع «الإمام» على المنبر, وهو أحمد بن محمد بن أبي الوليد وخطب خطبة أبلغ فيها, وحرض الناس على الجهاد وأعلمهم بما لهم
فيه من الثواب, وتلا هذه الآية: {لاَ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي
الضَّرَرِ} [النساء:95].