المبحث الثاني
زحف العبيديين على برقة
فلما استقر أمر طرابلس أرسل عبيد الله جيوشه نحو برقة بقيادة حباسة بن يوسف الكتامي, وكان قاسيًا شديدًا نزعت الرحمة من قلبه, فتوجه في عام 301هـ نحو سرت, لأنها لا زالت تحت حكم الأغالبة فدخلها بدون حرب, وهجرها من كان فيها من جنود العباسيين والأغالبة, ثم تقدم حباسة إلى أجدابية فهجرها من كان فيها من العباسيين والأغالبة, وطلب أهلها الأمان فأمنهم ودخلها بدون قتال, واحتل مدينة برقة وكانت جيوش العبيديين تتدافع نحو حباسة بدون انقطاع.
وكان حباسة هذا لا يفي بوعد, وكلما دخل مدينة قتل أهلها وأخذ أموالهم وسبى نساءهم, ومن فظاعة أعماله التي ذكرتها كتب التاريخ ما فعله بمجموعة من الناس كانوا يلعبون بالحمام في برقة فأمر بهم فأجلسهم حول النار, وأمر بلحومهم أن تقطع وتشوى, ثم أمر بهم فألقوا في النار. إن هذه الأعمال الوحشية تدل علىعداوة العبيديين لكل من له رائحة سُنية, وربما يتقربون بها إلى الله على زعمهم الفاسد.
ومن أعماله الشنيعة ما قام بإعلانه في برقة: من أراد العطاء فليأت إلينا, فحضر إليه من الغد ألف رجل, فأمر بهم فقتلوا جميعًا, ثم وضع جثثهم بعضًا على بعض, وجيء له بكرسي فوضع على الجثث وجلس عليه, وأمر بالوجهاء من أهل البلد فدخلوا عليه فحبسهم وأهانهم, وقد مات منهم أناس من هول ما رأوا, وقال لهم: إن لم تأتوني غدًا بمائة ألف مثقال قتلتكم جميعًا, فأحضروها له.
وانتقم من حارث ونزار ابني جمال المزاتي في نفر من أبناء عمومتهم في مدينة برقة, وباع نساءهم وأخذ جميع أموالهم وخيراتهم, وقد اغتم أهالي برقة من هذه الأفعال الشنيعة والأعمال القبيحة فأرسلوا إلى عبيد الله المهدي, فاعتذر الملعون وحلف يمينًا كاذبة أنه ما أمر بشيء من ذلك, وكتب إلى حباسة أن يرحل عن برقة فرحل إلى جهة مصر, وأتى أمورى أقبح مما كان يفعله في برقة (?).