الشوارع والبيوت, ولم يكن للقدسي من ملجأ يلجأ إليه من نتائج النصر, فقد فر بعض القوم من الذبح فألقى بنفسه من أعلى الأسوار, وانزوى البعض الآخر في القصور والأبراج وحتى في المساجد, غير أن هذا كله لم يخفهم عن أعين المسيحيين الذين كانوا يتبعونهم أينما ساروا ثم يقول: «ولقد اندفع المشاة والفرسان وراء الهاربين, فلم يسمع في وسط هذا الجمع المكتظ إلا نزعات الموت وسكراته, ومشى
أولئك المنتصرون فوق آكام من الجثث الهامدة وراء أولئك الذين يبحثون عن ملجأ أو مأوى».
فهذا صلاح الدين المسلم السني الرباني يقدم للأجيال الإنسانية دروسًا في غاية الروعة والجمال نحتت في صفحات تاريخ البشرية لتدل على عظمة هذا الدين الذي أخرج للوجود مثل نور الدين محمود, وصلاح الدين الأيوبي, فعليهم من الله المغفرة والرحمة والرضوان, قال الشاعر:
ملكنا فكان العدل منا سجية ... فلما ملكتم سال الدم أبطح
وحللتم قتل الأسارى وطالما ... غدونا على الأسرى نمن ونصفح
فحسبكم هذا التفاوت بيننا ... وكل إناء بالذي فيه ينضح
إني وصلت في دراساتي للشخصيات الإسلامية أنه ما ظهر قائد رباني وحقق انتصارات ميدانية وأزاح شعارات كفرية إلا كان خلفه علماء وفقهاء يوجهونه ويرشدونه نحو الرأي السديد, وهذا ما حدث لصلاح الدين حيث كان اهتمامه بالعلماء والفقهاء عظيمًا, إلا أن هناك عالمًا وفقيهًا وأديبًا له أثر واضح في حياته لابد من التعريف به ألا وهو:
قال الذهبي في ترجمته: «المولى الإمام العلامة البليغ, القاضي الفاضل محيي الدين, يمين المملكة, سيد الفصحاء, أبو علي عبد الرحيم بن علي بن الحسن بن أحمد بن المفرج, اللخمي, الشامي, العسقلاني المولد, المصري الدار, الكاتب,