عنها جماعة من التابعين الكبار, وكانت تقيم ببيت المقدس ستة أشهر.
وبدمشق ستة أشهر, وكانت تجلس للصلاة في صفوف الرجال, وكانت تحب مجالس العلماء. وكانت تقول: "أفضل العلم المعرفة". وتقول: "تعلموا الحكمة صغارا تعلموا بها كبارا".
وكانت لا تفتر عن الصلاة ملازمة للعبادة. وكانت معظمة عند بني أمية, وتوفيت بعد أبي الدرداء بدمشق ودفنت بباب الصغير.
كانت بنو طسم بن لوز بن أزهر بن سام بن نوح وبنو جديس بن عامر بن أزهر بن سام بن نوح ساكنين في موضع اليمامة, وكان اسمها حينئذ "جوا", وكانت من أخصب البلاد وأكثرها خيرا وكان ملكهم أيام ملوك الطوائف عمليقا, وكان ظالما وقد تمادى في الظلم وإن هزيلة هذه طلقها زوجها وأراد أخذ ولدها منها فخاصمته إلى عمليق وقالت: أيها الملك, حملته تسعا ووضعته دفعا وأرضعته شفعا حتى إذا تمت أوصاله ودنا فصاله أراد أن يأخذه مني كرها.
ويتركني بعده ورها. فقال زوجها: أيها الملك, أعطيت مهرها كاملا ولم أصب منها طائلا إلا وليدا خاملا فافعل ما أنت فاعل. فأمر الملك بالغلام فصار في غلمانه وأن تباع المرأة فيعطى زوجها خمس ثمنها ويباع الرجل وتعطى المرأة عشر ثمن زوجها فقالت: هزيلة:
أتينا أخا طسم ليحكم بيننا ... فأنفذ حكما في هزيلة طالما
لعمري لقد حكمت لا متورعا ... ولا كنت فيمن يبرم الحكم عالما
ندمت ولم أندم وأني بعترتي ... وأصبح بعلي في الحكومة نادما
فلما سمع عمليق قولها أمر أن لا تزوج بكر من جديس وتهدى إلى زوجها حتى يفترعها, فلقوا من ذلك بلاء وجهدا وذلا ولم يزل يفعل ذلك حتى تزوجت الشموس وهي عفيرة بنت عفار وقيل: يعفر, وقيل عبار أخت الأسود, فلما أراد حملها إلى زوجها انطلقوا بها إلى عمليق لينالها قبله ومعها الفتيان, فلما دخلت عليه افترعها وخلى سبيلها فخرجت إلى قومها تعتثر في دمائها وقد شقت درعها من قبل ومن دبر والدم يبين وهي في أقبح منظر تقول:
لا أحد أذل من جديس ... أهكذا يفعل بالعروس
يرضى بذا يا قوم بعل حر ... أهدى وقد أعطى وسيق المهر
وقالت أيضا لتحريض قومها:
أيجمل ما يؤتى إلى فتيانكم ... وأنتم رجال فيكم عدد, النمل
وتصبح تمشي في الدماء عفيرة ... جهارا وزفت بالنساء إلى بعل
ولو أننا كنا رجالا وكنتم ... نساء لكنا لا نقر لذا الفعل
فموتوا كراما أو أميتوا عدوكم ... وذبو النار الحرب بالحطب الجزل