كانت جارية مصرية ذات هيئة جميلة قد وهبها فرعون ملك مصر لسارة زوجة إبراهيم -عليه السلام- حينما كانت عنده وقد وهبتها سارة لإبراهيم -عليه السلام- وقالت له: إني أراها امرأة وضيئة فخذها لعل الله تعالى يرزقك منها ولدا فتزوجها إبراهيم وقد رزقه الله منها إسماعيل -عليه السلام- وذهب بهما إلى مكة لسبب أن إسحاق بن سارة اقتتل مع إسماعيل ذات يوم كما تفعل الصبيان فغضبت سارة على هاجر وقالت: لا تساكنيني في بلد وأمرت إبراهيم بعزلهما عنها وقد أوحى الله إليه أن يأتي بهما مكة ففعل وأنزلهما موضع الحجر وأمرهما أن تتخذ عريشا ثم قال: (ربنا) (إبراهيم: 37) (إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلوة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون) (إبراهيم: 37) ثم انصرف فاتبعته هاجر فقالت: إلى من تكلنا؟ فجعل لا يرد عليها شيئاً فقالت: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم, قالت: إذا لا يضيعنا. ثم انصرف راجعاً إلى الشام وكان مع هاجر قربة فيها ماء فنفد الماء فعطشت وعطش الصبي, فنظرت إلى الجبال التي أدنى من الأرض فصعدت إلى الصفا وتسمعت لعلها تسمع صوتا أو ترى أنيسا فلم تسمع شيئا ولم تر أحدا, ثم إنها سمعت أصوات سباع الوادي نحو إسماعيل فأقبلت إليه بسرعة لتؤنسه, ثم إنها سمعت صوتا نحو المروة فسعت وما تدري السعي كالإنسان المجهد فهي أول من سعى بين الصفا والمروة. ثم صعدت المروة فسمعت صوتا كالإنسان الذي يكذب سمعه منه حتى استيقنت وجعلت تدعو اسمع اييل -يعني يا الله- قد أسمعتني صوتا فأغثني فقد هلكت ومن معي فإذا هي بجبريل -عليه السلام- فقال لها: من أنت؟ فقالت: سرية إبراهيم -عليه السلام- تركني ههنا. قال: وإلى من وكلكما؟ قالت: وكلنا إلى الله تعالى. قال: فقد وكلكما إلى كاف ثم جاء بهما وقد نفد طعامهما وشرابهما حتى انتهى بهما إلى موضع "زمزم" فضرب بقدمه ففارت عين (فلذلك يقال: لزمزم ركضة جبريل عليه السلام) .
فلما نبع الماء أخذت هاجر قربة لها وجعلت تسقى فيها تدخره فقال لها جبريل -عليه السلام-: إنها روى. وجعلت أم إسماعيل تجعلها بئرا بحيث لا يخرج منها الماء إلى خارجها خوفا من نفادها. فقال لها جبريل: لا تخافي الظمأ على أهل هذه البلدة فإنها عين لشرب ضيفان الله تعالى. وقال لها: أما إن أبا هذا الغلام سيجيء فيبنيان لله تعالى بيتا هذا موضعه. قالوا: ومرت رفقة من "جرهم" تريد الشأم فرأوا الطير على الجبل فقالوا: إن هذا الطير لحائم على ماء فأشرفوا فإذا هم سكان مكة حتى شب إسماعيل وماتت هاجر قبل سيدتها سارة ودفنت في الحجز.
كانت فقيهة عاقلة جليلة. وهي أم بلال بن أبي الدرداء. قيل: خطبها معاوية بعد أن توفي زوجها, فلم تجب وروى