هي ابنة ملك الدانيمرك وشقيقة إمبراطورة "استوريا" والبرنسيس قرينة الدوق "أوف وليس" ولي عهد إنكلترا, أميرة نساء هذا الزمان وأديبتهن في هذا العصر والأوان, ربيت في بيت أبيها بهيئة بسيطة لا تعلو عن حالة المتوسطات بالغنى والثروة من نساء العالم, وقد طرحت كل كبرياء وتشامخ من صبوتها ولم تزل على ذلك حتى الآن وهي في مقام تنحي أمامها أعناق نحو مائة مليون من البشر وقد زادها الله عزا وكمالا بالمواهب الطبيعية فإنها على جانب كبير من اللطف والرقة ودماثه الأخلاق, ولين العريكة. وعلى جانب أعظم من غزارة العقل وحدة الذهن وصدق التصور وحسن البديهة. وقد استودع الله في هيكلها اللطيف من القوة والشجاعة ما يعزو وجوده في خير أشداء الرجال.
ومن شريف طباعها أنها شديدة الحب لجلالة الإمبراطور -قرينها- ميالة إلى عمل الحسنات, منشطة للمعارف, لا تحب التدخل في شؤون السياسة كثيرا, نزوعة إلى العمل, شديدة الكره للكسل والكسالى, مولعة بمطالعة الكتب المفيدة, تخيط أكثر ثيابها بيدها _الأمر الذي يكشف عن ضعة في نفسها الكريمة- لا تحب الإسراف والتبذير تقوم بنفسها مع مساعدة إحدى الفاضلات بتعليم بنيها الثلاثة وابنتها ولشدة ميلها للدروس والمطالعة, أصبحت تتكلم بعدد من اللغات وبالإجمال أن شريف خلالها تقوم واعظا ونذيرا في نساء العالم قاطبة يرد المتكبرات إلى الضعة واللين والواهنات القوى إلى النشاط والإقدام والمسرفات على الاقتصاد والمبتعدات عن عمل البر والإحسان إلى حبه والعمل به.
كاننت من فصحاء زمانها ومن اللواتي كن في فتوح الشام حضرت الحروب مع خالد بن الوليد بالشام ومصر وشهدت حرب النسوة في قوعة سحور مع خولة بنت الأزور, ولها شعر في رثاء ولدها وهو مأسور في وقعة أنطاكية وهو:
أيا ولدي قد زاد قلبي تلهبا ... وقد أحرقت منى الخدود الدوامع
وقد أضرمت نار المصيبة شعلة ... وقد حميت مني الحشا والأضالع
وأسأل عنك الركب كي يخبروني ... بمالك كيما تستكن المدامع
فلم يك فيهم مخبر عنك صادقا ... ولا منهم من قال إنك راجع
فيا ولدي مذ غبت كدرت عيشتي ... فقلبي مصدوع وطرفي دامع
وفكري مقسوم وعقلي موله ... ودمعي مسفوح وداري بلاقع
فإن كنت حيا صمت لله حجة ... وإن تكن الأخرى فما العبد صانع
فقالت لها: ولمن معها سليمى بنت سعد بن زيد بن عمرو بن نفيل -وكانت من الزاهدات العابدات: أبهذا أمركن الله؟ أمركن بالصبر ووعدكن على ذلك الأجر! أما سمعتن ما قال الله سبحانه وتعالى: (الذين إذا أصبتهم مصيبة