قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوت من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) (البقرة: 156-157) فاصبرن تؤجرن. فقالت لها مزروعة: إن كلامك هو الحق وأتيت بالصدق ثم سكتن عن البكاء.
قد نشأت في داره وصارت قهرمانة منزله, يقتدى برأيها في عمل الأعراس السلطانية والمهمات الجليلة التي تعمل في الأعياد والمواسم, وترتيب شؤون الحريم السلطاني, وتربية أولاد السلطان, وطال عمرها وصار لها من الأموال الكثيرة والسعادات العظيمة ما يجل وصفه, وصنعت برا ومعروفا كبيرا, واشتهرت وبعد صيتها وانتشر, وتقدمت عند السلطان وكانت مسموعة الكلمة عنده وعند حرمه, وذلك لحسن خدمتها وصنعتها وصيانتها لمنزله وقد صنعت مصانع كثيرة مثل مساجد وتكايا ومدارس غير ذلك جميعها تهدم.
ومن مآثرها الجامع الذي أنشأته بخط الحنفي بمصر قال فيه صاحب خطط مصر الجديدة التوفيقية إن سوق مسكة قرب جامع الشيخ صالح أبي حديد بخط الحنفي له بابان منقوش بأعلى أحدهما بالرخام: "بسم الله الرحمن الرحيم أمرت بإنشاء هذا المسجد المبارك الفقيرة إلى الله تعالى الحاجة إلى بيت الله الزائرة إلى قبر رسوله الله صلى الله عليه وسلم الست الرفيعة مسكة سنة ست وأربعين وسبعمائة". ومنقوش بدائرة من الخارج بالحجر سورة يس وبه مكتوب عليه (إنما يعمر مسجد الله) (التوبة: 18) الآية.
وكان الفراغ من الجامع المبارك في شهور سنة ست وأربعين وسبعمائة إلى غير ذلك من الأوصاف الحميدة.
ولما توفيت الست "مسكة" دفنت فيه وقبرها ظاهر للآن وإنما الجامع معطل وغير مقام الشعائر لتخربه حالة وجود أحكار له في ديوان الأوقاف المصرية.
كانت تحت محمد بن عوف الطائي, وكانت بديعة الجمال, فصيحة المقال, عالمة بضروب الشعر وشعرها فيه بلاغة تستحسن. ومن قولها في زوجها محمد المذكور حين قتل في بعض غزواته:
ألا لا أرى لما تلبد بالثرى ... ولا ميتا حتى ذكرت محمدا
حرام على عيني بعد محمد ... طوال الليالي لا تمسان إثمدا
فكم من فتى موته لو تجردت ... له الحرب لم يفن الحمار المقيدا
وأحمر يدعو الله كل عشية ... ليبعده لا بل هو الآن أبعدا
ألم تر يا ما كان أحلى محمدا ... وأجمله إن راح في القوم أو غدا
ترى منكبيه ينفضان قميصه ... كنفض الرديني الرداء المنضدا