حضرته تمام إذا المحقق المشهور أن الفضائل نصيب المرأة فهي المعزية الحزين المفرجة الكروب الصابرة على مضض العيش ونغص الحياة الراضية بمشاركة الرجل في سرائه وضرائه المحافظة على ولائه الطالبة لمسرته الناسية نفسها في خدمته الباذلة حياتها لمسرته وتربية عائلته الممتازة بالوراعة والعفاف والطهارة إلى غير ذلك مما يعد منه ولا يقدر فحسبي ما ذكرت".
سكنت إشبيلية وأصلها على ما قيل من شلب, وكانت صدر نبهائها وأدبائها, وممن لهن قدر منجبيها ونجبائها, سردت البديع أحسن سرد, وافترست المعاني كالأسد الورد, وأبرزت درر المحاسن من صدفها, وحازت من أفخر الإجادة وشرفها, ومدحت ملوكا طوقتهم من مدائحها قلائد, وزرفت إليهم من معانيها خرائد, وجلتها عليهم كواعب بالألباب لواعب, فأسالت العوارف, وما تقلص لها من الحظوة ظل وارف وقد أثبت المقرى ما يعترف بحقها, ويعرف به مقدار سبقها, وكانت تعلم النساء الأدب وتحتشم لدينها وفضلها وعمرت عمرا طويلا واشتهرت بأشبيلية بعد الأربعمائة وذكرها الحميدي وأنشد لها جوابها لما بعث المهدي لها بدنانير وكتب إليها:
ما لي بشكر الذي أوليت من قبل ... لو أنني حزت نطق اللسن في الحلل
يا فذة الظرف في هذا الزمان ويا ... وحيدة العصر في الإخلاص والعمل
أشبهت مريماً العذراء في ورع ... وفقت خنساء في الأشعار والمثل
ونص الجواب منها:
من ذا يجاريك في قول وفي عمل ... وقد بدرت إلى فضل ولم تسل
ما لي بشكر الذي نظمت في عنقي ... من اللآلئ وما أوليت من قبل
حليتني بحلي أصبحت زاهية ... بها على كل أنثى من حلي عطل
لله أخلاقك الغر التي سقيت ... ماء الفرات فرقت رقة الغزل
أشبهت مروان من غارت بدائعه ... وأنجدت وغدت من أحسن المثل
من كان والده العضب المهند لم ... يلد من النسل غير البيض والأسل
ومن شعرها وقد كبرت:
وما يرتجى من بنت سبعين حجة ... وسبع كنسيج العنكبوت المهلهل
تدب دبيب الطفل تسعى على العصا ... وتمشي بها مشي الأسير المكبل