فطرب المتوكل وقال: أحسنت وحياتي وأمر لها بمائتي دينار وأمر عريب فغنت بها وكتب سعيد بن حميد إلى فضل رقعة قال في آخرها:
تظنون أني قد تبدلت بعدكم ... بديلاً وبعض الظن إثم ومنكر
إذا كان قلبي في يديك رهينة فكيف بلا قلب أصافي وأهجر
قال إسحاق بن مسافر: كنت يوماً عند سعيد بن حميد إذ دخلت عليه فضل على غفلة فوثب إليها وسلم عليها وسألها أن تقيم عنده فقالت: قد جاءني وحياتك رسول من القصر فليس يمكنني الجلوس وكرهت أن أقيم ببابك ولا أراك فقال: سعيد من وقته على البديهة.
قربت ولا نرجو اللقاء ولا نرى ... لنا حيلة يدنيك منا احتيالها
فأصبحت كالشمس المنيرة ضوءها ... قريب ولكن أين منا منالها
وظاعنة ضنت بها غربة النوى ... علينا ولكن قد يلتم خيالها
تقربها الآمال ثم تعوقها ... مماطلة الدنيا بها واعتلالها
ولكنها أمنية فلعلها ... يجود بها صرف النوى وانتقالها
وتغاضب سعيد بن حميد وفضل أياماً ثم كتب إليها:
تعالي نجدد عهد الرضا ... ونصفح في الحب عما مضى
ونجري على سنة العاشقين ... ونضمن عني وعنك الرضا
ويبذل هذا لهذا هواه ... ويصير في حبه للقضا
ونخضع ذلً خضوع العبيد ... لمولى عزيز إذا أعرضا
فإني مذلج هذا العتاب ... كأني أبطنت جمر الغضى
فسارت إليه وصالحته.
وكان سعيد بن حميد صديقاً لأبي العباس بن ثوابة فدعاه يوماً وجاءه رسول فضل يسأله المصير إليها, فمضى معه وتأخر عند أبي العباس, فكتب إليه رقعة يعاتبه معاتبة فيها بعض الغلظة فكتب إليها سعيد:
أقلل عتابك فالبقاء قليل ... والدهر يعدل تارة ويميل
لم أبك من زمن ذممت صروفه ... إلا بكيت عليه حين يزول
ولكل نائبة ألمت مدة ... ولكل حال أقبلت تحويل
والمنتمون إلى الإخاء جماعة ... إن حصلوا أفناهم التحصيل
ولعل إحداث الليالي والردى ... يوماً ستصدع بيننا وتحول
فلئن سبقت لتبكين بحسرة ... وليكثرن على منك عويل
ولتفجعن بمخلص لك وامق ... حبل الوفاء بحبله موصول
وحضر يوماً في منزل بعض إخوانه فوجد عندهم فضل, فأقام معهم عامة يومهم, وآخر النهار غضبت منهم على النبيذ, ثم انصرفوا وهم على ذلك وبعد أيام اجتمع سعيد مع إخوانه المذكورين وتصادف مجيء فضل على غير موعد, فدخلت عليهم وسلمت عليهم سواه فقالوا لها: أتهجرين أبا عثمان؟ فقالت: أجب أن تسألوه أن لا يكلمني. فقال سعيد: