نقطة جعفر بالمسك فشرب الكأس وقبل خدها وكانت فضل الشاعرة واقفة على رأسه فقالت:
وكاتبة بالمسك في الخد جعفراً ... بنفسي سواد المسك من حيث أثرا
لئن أثرت بالمسك سطراً بخدها ... لقد أودعت قلبي من الحزن أسطرا
فيا من مناها في السريرة جعفر ... سقى الله من سقيا ثناياك جعفرا
ثم قالت أيضاً:
سلافة كالقمر الباهر ... في قدح كالكوكب الزاهر
يديرها خشف كبدر الدجى ... فوق قضيب أهيف ناضر
على فتى أروع من هاشم ... مثل الحسام المرهف الباتر
فلما سمع المتوكل هذه الأبيت طرب طرباً شديداً وأمر فغنى بها وأنعم على فضل إنعاماً زائداً وكتبت فضل إلى سعيد بن حميد يوماً.
تبث هواك في بدني وروحي ... فألف فيهما طمع بياس
فأجابها سعيد في وقتها:
كفانا الله شر الياس إني ... لبغض الياس أبغض كل آس
قال ابن أبي المدور الوراق: كنت يوماً عند سعيد بن حميد وكان قد ابتدأ ما بينه وبين فضل يتشعب وقد بلغ ميلها إلى بنان المغني وهو بين المصدق والمكذب بذلك, فأقبل على صديق له فقال: قد أصبحت والله من أمر فضل في غرور أخادع نفسي بتكذيب العيان, وأمنتها ما قد حيل دونه, والله إن إرسالي بعدها قد لاح من تغيرها لذلك وإن عدولي في أمرها مشبه بالعجز وإن تصبري لمن دواعي التلف ولله در محمد بن أمية حيث يقول:
يا ليت شعري ما يكون جوابي ... أما الرسول فقد مضى بكتابي
وتعجلت نفسي الظنون وأشعرت ... طمع الحريص وخيفة المرتاب
وتروعني حركات كل محرك ... والباب يقرعه وليس ببابي
كم نحو باب الدار لي من وثبة ... أرجو الرسول بمطمع كذاب
والويل لي من بعد هذا كله ... إن كان ما أخشاه رد جوابي
قال ابن المنجم: غضب بنان المغني على فضل الشاعرة في أمر أنكره عليها فاعتذرت إليه فلم يقبل معذرتها فأنشدت في ذلك مصبرة نفسها.
يا فضل صبراً إنها ميتة ... يجرعها الكاذب والصادق
ظن بنان أنني خفته ... روحي إذا من بدني طالق
وقال المتوكل لعلي بن الجهم: قل بيتاً وطالب فضل الشاعرة بأن تجيزه. فقال علي: أجيزي يا فضل:
لاذبها يشتكي إليها ... فلم يجد عندها ملاذا
فأطرقت هنيهة ثم قالت:
فلم يزل ضارعاً إليها ... تهطل أجفانه رذاذا
فعاتبوه فزاد عشقاً ... فمات وجداً فكان ماذا