ينعم بك؟ فغصبت نفسها على النطق وقالت: أيها الملك لقد قام دون اقترانك بي مانع لا تقوى عليه. فقال: يا سيدتي لا تسمعيني هذا الكلام الشديد الذي يمزق كبدي فأنا والله لأقلبن البلاد وأصبغها بالدم ولا أفقد نفسي سعادتها من الاقتران بك! فقالت: أيها الملك، إن اقتدارك وعظمتك لا ينفعانك في هذا الوقت، فما أنا اليوم إلا امرأة المركيس الوزير، فلما سمع كلامها غاب عن الصواب ومزق اليأس قلبه وأوقعه في غماء، ورجع الوراء بارتجاف وقد وهت قواه واصفر فألقى نفسه كالقتيل على شجرة كانت وراءه ولبث ينظر بعين آسفة إلى حبيبته ليظهر مبلغ اليأس من هذا الخطب الجسيم والبلاء، فكانت حالته وحالتها في ذلك الحين تستبكي الحمام رحمة بالعاشقين، ثم إنه وقع نفسه بقوة وشجاعة وقال - وهو يتنهد -: يا ضياء، كيف فعلت ذلك لقد أهلكتني وأهلكت نفسك بهذا الحزن.
فلما سمعت كلامه تنغصت منه في نفسها لعلمها أن الخيانة كانت منه لها لا منها له. وقالت: أيها الملك كيف تخونني، ثم تلومني وتعذلني أما كفاك وعدت (سلطانة) ابنة عمتك بالاقتران بها حتى جئت تكذب ما نظرت عيناني وسمعت أذناي فقال: يا سيدتي، لقد قلت لك: إن ظواهر أمري تقضي علي بأني خائن، ولكن ما سمعته من وعدي ابنة عمتي ليس إلا سياسة كنت حمدتني عليها فيما بعد وحققت أن عشقي لك لا يكون في القلوب أعظم منه فقالت: أيها الملك، لقد علقت نفسي بآمال ظننت أنك تحققها لي، ولكن العظمة قد أبعدتك عني فرأيت أنه لا يليق بي أن أضع على رأسي تاج الملكات فأنت أيها الخائن لِمَ لم تنطق إلي بالحقيقة التي عاهدت نفسك على إجرائها يوم أنست قلقي واضطرابي فكنت يوم ذاك شوكت جور الدهر من خيانتك وظلمك وما كنت تزوجت بأحد غيرك.
وأما الآن فإني أستأذن منك بالدخول إلى مخدعي حتى أخلص من هذه المذاكرة التي تهين مجدي وشرفي ولا يحل لي أن أكلمك فيها أو في غيرها بعد أن صرت زوجة للمركيس الوزير، قالت هذا وابتعدت عنه إلى باب البستان. فقال: بالله قفي وارحمي ملكا مغرما يروم أن ينتزع الملك من يده حرصا على ودادك.
فقالت: لقد حال الجريض دون القريض وأنا اليوم لا أقلق لخراب الدولة إن خربتها، ولا اضطرب لزوجتك إن تزوجت بمن أردت.
واعلم بأني وإن أشغلت قلبي بهواك لأعملن جهدي كله في أن أكون خالية منه وأريك أن زوجة المركيس ليست معشوقة الأمير (ألفونس) كما عهدتها، قالت هذا ودخلت البستان وتركت الملك في أشد حسرة لما كان من إعلامها إياها باقترانها بالمركيس فوجم ساعة يفتكر بمصابه وما كان من خيبة آماله حتى كادت الغيرة تقتله فانتفض عرق غضبه وعزم على أن يقتل (بهرام) والمركيس الوزير في ساعته لولا بقية صواب بقيت في عقله وتراءى له فيها أنه إذا جمعه ومحبوبته مجلس سري أزال يأسها وأحزانها وبرأ نفسه من تهمته بخيانتها فلم ير ذلك إلا ببعد المركيس عنها، فرجع إلى قصره وأمر رئيس الشرطة أن يقلي القبض عليه بقوله: أن له في بعض الفتن.
أما المركيس فإنه لما قبض عليه رئيس الشرطة بإذن الملك وضجت المدينة لذلك رأى الوزير أن يذهب إلى البلاط ويتقدم إلى الملك بالشفاعة في صهره، وكان الملك قد عرف ذلك وأن الوزير لابد من أنه سيدخل عليه للشفاعة، فأمر حجابه بأن لا يأذنوا لأحد بالدخول عليه كائنا من كان حتى لا تكون له فرصة لمزار حبيبته قبل الإفراج عن زوجها، ولكن (فرنان) مع علمه بأمر الملك أبى إلا أن يدخل عليه بحيلة من الحيل حتى إذا مثل بين يديه قال له: أيها الملك الشفيق العادل، إن عبدك (فرنان) جاء يشتكي منك إليك فأي ذنب اقترف صهره حتى حل به سخطك ولزمه العار بما أمرت به رئيس شرطتك من القبض عليه؟ فقال: اعلم أيها الوزير الصادق