أن لدي بينات تثبت بأن لصهرك يدا في فتن الدولة ولا أظنه إلا ميالا مع أخي (دون لزريف) يريد أن يبايعه ويخلعني فردد الوزير في نفسه له يد في فتن الدولة ويخلع ويبايع، ثم رفع رأسه وقال: لا وأيد الله جلالة الملك إن الخيانة لم يتعودها أحد من آلي، وكفى بأن يكون المركيس صهرا لي حتى تنتفي عنه هذه التهمة، ولكن أراك قد قبضت عليه لغاية سرية منك! فقال الملك: من حيث إنك تكلمني عن سري فإني أبيح به إليك فاعلم أن الطريق التي اتخذتها بحقي جلبت علي وبالا عظيما وحرمتني لذة ينعم بها أحقر الناس قدرا. واعلم بأني لا أتزوج بسلطانة بنت عمتي. فرجف الوزير من ذلك وقال: لا يصح أيها الملك أن لا تتزوج بها بعد أن واعدتها بذلك على محضر من الأمراء والقواد فقال: ليس الذنب في ذلك علي، وإنما هو واقع عليك لما كان من إكراهك إياي على وعدها بذلك على حين لا رغبة لي فيه ولا إمكان، وما كان من كتابتك القرطاس الذي سلمته إلى ابنتك باسم (سلطانة) لا باسمها وما كان من تزويجك إياها من المركيس بالرغم عنها حتى ولو فرضنا أن طاعتك منها واجبة فما كان أغناك أن تفيدني بوعد لا طاقة لي على إنجازه إلا تذكر أن (سلطانة) إنما هي ابنة (بوران) التي أهدرت دم أبي ظلما وعدوانا أترى في الإمكان أن أجتمع وإياها على فراش واحد لا والله ولكنك ترى صقلية رمادا وسكانها رمما ومتاعها نقارا ومعالمها دوارس من قبل أن أنجز (سلطانة) وعدي باقتراني بها، فلما سمع الوزير كلامه خاف العاقبة.
وقال: أيها الملك العظيم، اخفض عليك غضبك ولا أظن أن حبك لرعيتك يدعك أن تفعل ما تقول وعشقك لابنتي يحملك على إعمال العشاق من العامة، وأنا إنما صاهرت المركيس لكي أجعله من عبيدك المقربين فقال الملك: إن مصاهرتك إياه كانت سببا لما أنا فيه من القلق والاضطراب فلم توكلت بأموري على حين لم تصن رعايتها ولا سياستها أفرأيت في جبنا حتى لا أقهر من ناوأني من الأمراء والجند إذا أثاروا الفتنة علي أم رأيت أم الملوك لا حق لهم بالتنعم بما يتنعم به عامة الناس فإن كان رأيك هذا وأني أكون عبدا فخذ هذا الملك الذي أردت أن تبقيه لي بما عملت من جلب الغم واليأس علي فقال الوزير: أنت تعلم أن الملك لم يصل إليك إلا باقترانك مع (سلطانة) .
فقال: بأي حق كتب عمي وصيته كذلك فهل اشترط عليه أخوه (كارلوس) بمثل هذه الشروط حين خلف له الملك ولكن لتعلم أن وصيته تفسيرها العدالة وأني لا أعزم على الاقتران بابنة عمتي حتى إذا أبدى أخي إشارة ثورة علوته بالسيف وأن فكرته وإلا فكان أحق بالملك مني.
فلما سمع الوزير هذا الكلام لم يبق عليه إلا أن يقبل الأرض بين يدي سيده ويطلب منه العفو عن صهره فوعده بذلك وأمره بأن يسير إلى قصره وينتظر رجوع المركيس بعده بقليل حتى إلا خلا له المكان رجع إلى نفسه وعزم على إبقاء المركيس في السجن إلى غد اليوم ليزور زوجته خفية. وأما المركيس فإنه لما قبض عليه صاحب الشرطة وطلس به لم يخف عليه معرفة سبب ذلك وصار في نفسه كأنه مطمح للغيرة تتقلب به، وتقطع فؤاده حسرة وندما، وعزم على أن ينتقم لنفسه بعد الإفراج عنه، ولكن لما قدر أن الملك لابد أن يجتمع بزوجته في تلك الليلة رام أن يدهمهما بغتة فطلب من أمير الحبس أن يطلقه في تلك الليلة على الوعد بأن يعود في الصباح إلى محبسه فلباه لذلك لمودة كانت بينهما، ولعلمه بأن (فرنان) تشفع له عند الملك فوعده بالإفراج عنه.
وزاد الأمير على ذلك أنه قدم إليه فرسا كريما ليذهب إلى قصر زوجته فلما وصل إلى البستان فتح بابا سريا بمفتاح كان في جيبه وطلع إلى القصر واختبأ في مقصورة بجانب مقصورة زوجته دون أن يراه أحد ووقف وراء الباب ليرى كل ما يكون حتى إذا سمع صوتا بادر إلى المقصورة بسيفه