بغيته بما أراد من الاقتران بضياء حبيبته، ولم يطلع أحدا من الناس على ذلك، وكان يخابر (سلطانة) بالكلام اللطيف ويسبك كلام (بهرام) في أنه يحب الاقتران بها حتى لا تهب إعصار الفتنة قبل تداركه إياها بالحيلة.
ولكن كان من نكد الحظ أنه بينما يحدث (سلطانة) ويعد باقترانها به إذ دخلت ضياء مع أبيها وقد وقع كلامه في أذنها فاصفر لونها واستحوذ عليها شيء شبيه بالغمائم قال لها أبوها بحضرة (سلطانة) : يا بنية، قدمي احترامك إلى ملكتك وادعي الله أن يطيل عمرها ويجعل أيامها بالسعد مقبلة، فتأكدت من كلام أبيها ما سمعت من كلام الملك وأخذتها رجفة شديدة لم يكن لها حيلة في إخفائها. فأما (سلطانة) فظنت أن اضطرابها إنما هو ناشئ عن عزة الملك الذي لم تره قبل ذلك، وأما الملك فإنه عرف سبب ألمها وكدرها لما كان من وقوع وعده ابنة عمته في أذنها، وصار بنفسه الاضطراب مثل ما صار بها، وأحب لو مكنته الظروف من الاجتماع بها حتى يعلمها بأن وعده لسلطانة إنما هو حيلة منه لا خيانة بودها، ولكن لم يكن من سبيل إلى التحدث سرا معها إذ كانت عيون الأعيان متجهة إليه هذا ما كان من أمر الملك.
وأما ضياء فإن أباها لما أنس جزعها وقنوطها، ورأى الملك منقبضا إلى اليأس صار بها على الفور إلى قصره وقد أعلمها بأنه سيزوجها إلى المركيس، فلما سمعت كلامه بلغ الحزن من نفسها ووقف الدم على قلبها، فوقعت بين يدي أبيها مغشيا عليها وقد ضعفت قواها وتغير لونها حتى كأنها الميت المدرج في كنفه فرق قلبه عليها وتداركها بماء الورد حتى أفاقت. فقالت: يا أبتاه الشفيق يخلجني أني أطلعتك على اشتغال قلبي بهوى الملك، ولكن الموت الذي يوافيني بعد قليل سيرفع عنك أكدارا جلبتها عليك ابنة منكودة الحظ فقال لها: لا تقنطي يا بنية، فما الوزير الذي أزوجك منه إلا أعظم رجل في الدولة، وأجله خطرا. فقالت: صدقت يا أبت وإني أقر بفضله وكرم أخلاقه وسجاياه غير أن الملك كان يؤلمني بأن أكون له عروسا. فقال لها: لقد علمت اليوم كل ما كان بينك وبينه، وأنا لا أعذبك على ذلك، ولكن من حيث قد قام بين الوعد وإنجازه مانع لا يقوى الملك على إزالته إلا بخسران الملك من يده فاعملي على صرف آمالك وكفكفي دموعك حتى لا يقال في دار الملك: إن حبه قد علق فؤادك، ولا تؤملي بأنه يتخذك زوجة له إذ أنه اشترى بك الملك والسلطنة. واعلمي بأني وعدت الوزير (المركيس) بأن أزوجه منك فانجزي وعدي إليه ولا تخيبي أبا يتقدم إليك بالضراعة والطلب قال هذا وانصرف إلى مجلسه وهو مؤمل بأنها إذا فكرت فيما نطق به إليها لبت طلبه ورضيت بأن تصير زوجة للمركيس الوزير.
فلما خلا المكان لضياء أسبلت الدمع من عينها وغلب عليها اليأس وخامرها كمد لا يعبر عنه اللسان لما كان من تحققها خيانة الملك بدليل الكلام الذي سمعته من فمه، وما كان من إكراه أبيها لها على تزوجها من المركيس الذي لا تقدر أن تحبه، فظنت أن الموت لا يبعد أن يفاجئها بعد ذلك، ثم صاحت: (تبا لك أيتها الآمال التي عللت نفسي بها، ثم ألقتني في وهدة الألم والحسرات، وأنت أيها العاشق الخائن لم علقت امرأة غيري بعد تقدمك إلي بالقسم والعهد فلا هناك الله بهذا الملك الجديد، ولا بوركت بهذا الزمان الذي ثلمت فيه اليمين بعد توثيقها إلي ولتكن لحظات (سلطانة) إليك حنقا عليك، وليكن ريقها كسم قتال ينحدر إلى جوفك ليبدلك الله بنعمتك شقاء مثل الشقاء الذي أذوق مرارته. واعلم أيها الخائن من حيث إن ديني لا يحل لي قتل نفسي بيدي فإني سأنتقم من نفسي بأن أتزوج بالمركيس الذي لا أحبه حتى إذا كان عشقي باقيا في فؤادك أسفت وتحرقت لتسليم نفسي إلى رجل غيرك، وإن كان ذكري قد برح من خاطرك فأكون