وقيل: إنها تزوجت بعبد الله بن الزبير بعد وفاة الحسن وقد دخلت عليها النوار زوجة الفرزدق مستشفعة بها فشفعتها عند عبد الله. وفي ذلك يقول الفرزدق.
أما بنوه فلم تقبل شفاعتهم ... وشفعت بنت منظور بن زبانا
ليس الشفيع الذي يأتيك مؤتزرا ... مثل الشفيع الذي يأتيك عريانا
كانت ذات جمال وبهاء وكمال. اشتراها محمد أبو عبد الله المهدي بمائة ألف درهم واستحظى بها وقدمها على جميع نسائه لما لها من الأدب واللطف، وقد أخذت بقلبه مكانة عظمى، وولدت له موسى الهادي وهارون الرشيد، وقد تقدمت في خلافة ولدها موسى الهادي حتى إنها شاركته في الأحكام من كثرة تداخلها معه في أمور المملكة وكان كثير الطاعة لها مجيبا لما تسأله من الحوائج للناس، فكانت المواكب لا تخلو من بابها. ففي ذلك يقول أبو المعافى:
خيرزان هناك ثم هناك ... إن العباد يسوسهم ابناك
وكانت يوما جالسة إذ دخلت عليها جارية من جواريها فقالت: أعز الله السيدة بالباب امرأة ذات جمال وخلقة حسنة، وليس وراء ما هي عليه من سوء الحال غاية تستأذن في الدخول عليك، وقد سألتها عن اسمها فامتنعت أن تخبرني، فالتفتت الخيرزان على زينب بنت سليمان بن علي بن عبد الله بن عباس -وكانت في مجلسها: ما تقولين في أمرها؟ قالت لها: أدخليها فإنه لا بد من فائدة أو ثواب، فدخلت امرأة من أجمل النساء لا تتوارى بشيء، فوقفت بجانب عضادتي الباب، ثم سلمت متضائلة، ثم قالت: أنا مزنة بنت مروان بن محمد الأموي.
فقالت الخيرزان: لا حياك الله وال مرحبا بك، فالحمد لله الذي أزال نعمتك وهتك سترك وأذلك. أتذكرين يا عدوة الله حين أتاك عجائز أهل بيتي يسألنك أن تكلمي صاحبك في الإذن في دفن إبراهيم بن محمد فوثبت عليهم وأسمعتيهن ما لا سمعن قبل وأمرت فأخرجن على تلك الحالة، فضحكت مزنة قهقهة حتى علا صوت ضحكها، ثم قالت: السلام عليك، ثم ولت مسرعة فنهضت إليها الخيرزان لتعانقها فقالت: ليس في ذلك موضع مع الحالة التي أنا عليها. فقالت الخيرزان لها: فالحمام إذا وأمرت جماعة من جواربها بالدخول معها إلى الحمام.
فلما خرجت من الحمام وافتها الخلع والطيب فأخذت من الثياب ما أرادت ثم تطيبت، ثم خرجت إليها فعانقتها الخيرزان وأجلستها في الموضع الذي يجلس فيه أمير المؤمنين المهدي، ثم قالت الخيرزان: هل لك بالطعام؟ قالت: والله ما فيكن أحوج مني إليه فعجلوه، فأتي بالمائدة، فجعلت تأكل غير محتشمة إلى أن اكتفت، ثم غسلن أيديهن وقالت لها الخيرزان: من ورائك ممن تعنين به؟ قالت: ما خارج هذه الدار من بيني وبينه نسب فقالت: إذا كان الأمر هكذا فقومي حتى تختاري لنفسك مقصورة من مقاصيرنا وتحولي لها جميع ما تحتاجين إليه، ثم لا نفترق إلى الموت.
فقامت ودارت بها في المقاصير فاختارت أوسعها وأنزهها ولم تبرح حتى حولت إليها جميع ما تحتاج غليه من الفرش والكسوة، ثم تركتها وخرجت عنها.
فقالت الخيرزان: هذه المرأة قد كانت فيما كانت فيه وقد مسها الضرة وليس يغسل ما في قلبها إلا المال فاحملوا إليها خمسمائة ألف درهم فحملت غليها وفي أثناء ذلك وافى المهدي فسألها عن الخبر، فحدثته حديثها وما لقيتها به، فوثب مغضبا