وقال للخيرزان: هذا مقدار شكر الله على نعمة وقد أكنك من هذه المرأة مع الحالة التي هي عليها، فوالله لولا محلك بقلبي لحلفت أن لا أكلمك أبدا فقالت: يا أمير المؤمنين، قد اعتذرت إليها ورضيت وفعلت معها كذا وكذا فلما علم المهدي ذلك قال لخادم كان معه: احمل إليها مائة بدرة وادخل إليها وأبلغها مني السلام وقل لها: والله ما سررت في عمري كسروري اليوم وقد وجب على أمير المؤمنين إكرامك ولولا احتشامك لحضر إليك مسلما عليك وقاضيا لحقك.
فمضى الخادم بالمال والرسالة فأقبلت على الفور وسلمت على المهدي بالخلافة وشكرت صنيعة وبالغت في الثناء على الخيرزان، وقالت: ما على أمير المؤمنين حشمة أنا في عداد حرمه.
ثم قامت إلى منزلها وأقامت عند الخيرزان إلى أن قضى المهدي. وأيام الهادي وصدر من أيام الرشيد وماتت في خلافة الرشيد وكان لا يفرق بينها وبين نساء بني هاشم فلما قضيت جزع عليها الرشيد والخدم جزعا شديدا وأخرجها بمشهد يليق بمثلها.
وكلمت الخيرزان ولدها الهادي ذات يوم في أمر فلم يجد إلى إجابتها فيه سبيلا، فاعتل عليها بعله فقالت: لا بد من إجابتي. قال: لا أفعلن قالت: فإني قد ضمنت هذه الحاجة لعبد الله بن مالك فغضب الهادي وقال: ويل لابن الفاعلة، قد علمت أنه صاحبها لا قضيتها لك. قالت: إذا والله لا أسألك حاجة أبدا. قال: إذا والله لا أبالي.
وقامت مغضبة فقال: مكانك فاستوعي كلامي والله وإلا نفيت من قرابتي من رسول الله لئن بلغني أنه وقف ببابك أحد من وادي أو من خاصتي أو من خدمي أو من خدمي لأضربن عنقه ولأقبضن ماله، فمن شاء فليلزم ذلك ما هذه المواكب التي تغدو إلى بابك كل يوم أما لك مغزل يشغلك أو مصحف يذكرك أو بيت يصونك؟ إياك، ثم إياك أن تفتحي فاك في حاجة لمسلم ولا ذمي.
فانصرفت وما تعقل ما تجيب فلم تنطق وما تعقل ما تجيب فلم تنطق بحلو ولا مر بعدها، ثم إنه قال لأصحابه: أيما خير أنا أم أنتم وأمي أم أمهاتكم قالوا: بل أنت وأمك خير. قال: فأيكم يحب أن يتحدث الرجال بخبر أمه فيقال: أم فلان فعلت وصنعت. قالوا: لا نحب. قال: فما بالكم تأتون منزل أمي فتتحدثون بحديثها فلما سمعوا ذلك انقطعوا عنها وبعد مدة من الزمن تناست هذه الحادثة فبعث الهادي بأرز إلى الخيرزان. وقال لها: قد استطبتها فكلي منها فقيل لها: أمسكي حتى تنظري فجاءوا بكلب فأطعموه فسقط لحمه فأرسل إلهيا كيف رأيت الأرز؟ قالت: طيبا. قال: ما أكلت منها ولو أكلت منها لاسترحت منك. متى أفلح خليفة له أم؟ وكان سبب وفاة الهادي من قبل أمه الخيرزان كانت أمرت الجواري بقتله للسبب عينه وقيل: كان السبب في أمرها بذلك أن الهادي لما جد في خلع الرشيد والبيعة لابنه جعفر خافت الخيرزان على الرشيد فوضعت جواريها عليه لما مرض وأمرتهن بقتله فقتلوه بالغم والجلوس على وجهه فمات فأرسلت إلى يحيى بن خالد تعلمه بموته وبعد ذلك بقيت معززة في خلافة المأمون وأخرجت باحتفال عظيم لم ينله غيرها من نساء الخلفاء. رحمها الله تعالى.
كانت فصيحة اللسان بليغة البيان، غير هيابة في المقال لا يسألها أحد سؤالا إلا جاوبته بأحسن جواب وأقنع خطاب. قال أبوس هل التميمي لما حج معاوية سأل عن امرأة من بني كنانة كانت تنزل بالحجونية يقال