طويلا وكانت وفاتها في أواخر خلافة عثمان بن عفان -فعلى مثل هذه يأسف الدهر رحمها الله رحمة واسعة.
كان والدها منظور مكث أربع سنوات في بطن أمه ولذلك سمي منظورا، وكانت أنها مليكة بنت خارجة بن سنان بن أبي حارثة المري تحت زبان أبي منظور ولما توفي زبان خلفه عليها منظور وكان ذلك قبل الإسلام ولما أسلم بقيت تحته إلى خلافة عمر بن الخطاب ففرق بينهما وكانت مليكة ولدت له هشاما وعبد الجبار وخولة.
وكانت خولة ذات حسن وجمال وبهاء وكمال وقد واعتدال فتنت فيها شبان قريش وقد خطبها جملة من رجالهم وأبوها يردهم قولا منه أنهم ليسوا كفؤا لها، وبقيت على ذلك حتى تزوج طلحة بن عبيد الله مليكة والدة خولة بعد طلاقها من منظور بن زبان، فزوج خولة من ولده محمد بن طلحة، فولدت له إبراهيم وداود وأم القاسم ابني محمد بن طلحة -وكان أعرج- وقتل محمد عنها يوم الجمل فتزوجها الحسن بن علي بن أبي طالب، وكان سبب زواجها به أنها حينما تكاثر عليها الخطاب بعد قتل زوجها محمد جعلت أمرها بيد الحسن بن علي بن أبي طالب فتزوجها، فبلغ منظور بن زبان ذلك فقال: أمثلي يفتات عليه في ابنته.
ثم قدم المدينة وركز راية في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يبق قيسي في المدينة إلا رخل تحتها فقيل لمنظور: أين يذهب برك تزوجها الحسن بن علي وليس مثله أحد؟ فلم يقبل، وبلغ الحسن ذلك فقال: شأنك لها، فأخذها وخرج بها، فلما كانت بقباء جعلت خولة تندمه وتقول له: الحسن بن علي سيد شباب أهل الجنة! فقال: البثي ههنا فإن كان للرجل فيك حاجة سيلحقنا ههنا، فلحقه الحسن الحسين وابن جعفر وابن عباس، فلما وصلوا قابلهم بما يليق بهم ثم أرجعها على الحسن فتزوجها، ورجعوا جميعا، وفي ذلك يقول جبير العبسي:
إن الندى في بني ذبيان قد علموا ... والجود في آل منظور بن سيار
والماطرين بأيديهم ندى ديما ... وكل غيث من الوسمي مدرار
تزور جاراتهم وهنا قواضبهم ... وما فتاهم لها سرا بزوار
ترى قريش به صهرا لأنفسهم ... وهم رضا لبني أخت وأصهار
وبقيت خلوة تحت السحن بن علي حتى أسنت وقد مات عنها فكشفت قناعها وبرزت للرجال وصارت تجالسهم.
قال معبد: جئتها يوما أطالبها بحاجة فقالت: غنيني يا معبد. فقلت لها: أو بقي بالنفس شيء؟ قالت: النفس تشتهي كل شيء حتى تموت، فغنيتها لحني في شعر قاله بعض بني فزاره وكان خطبها فلم ينكحها إياه أبوها وهو:
قفا في دار خولة فاسألاها ... تقادم عهدها وهجرتماها
بمحلال كأن المسك فيه ... إذا هبت بأبطحة صباها
كأنك مزنة برقت بليل ... لحران يضيء لها سناها
فلم تمطر عليه وجاوزته ... وقد أشفى عليها أو رجاها
وما يملأ فؤادي فاعلميه ... سلو النفس عنك ولا غناها
وترعى حيث شاءت من حمانا ... وتمنعنا فلا نرعى حماها
فطربت خلوة وقالت: أيا عبد بني قطن أنا والله يومئذ أحسن من النار الموقدة في الليلة القرة.