والحقيقة أن النفس تميل إلى عدم رواية الإسرائيليات فعلًا، أميل إلى رأي أستاذنا الدكتور عبد الوهاب فايد؛ لأن الروايات التي سكتت عنها شريعتنا، فالأولى أن نسكت عنها كذلك، فلا نؤيد ما يفعله كثير من المفسرين يأتون بالإسرائيليات المسكوت عنها، ويفسرون بها النص القرآني، فإن ذلك يوهم أو يعني تفصيلًا لما أجمل أو تبيينًا لما أبهم، وهذا يتنافى مع الحديث أيضًا: ((لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم)).
نقول أيضًا: لا منافاة بين كون الرواية الإسرائيلية صحيحة السند أو حسنة أو ثابتة، وبين كونها من إسرائيليات بني إسرائيل وخرافاتهم، فهي صحيحة السند إلى ابن عباس أو إلى عبد الله بن عمرو بن العاص، أو إلى مجاهد أو عكرمة أو سعيد بن جبير، لكنها ليست متلقاة من النبي -صلى الله عليه وسلم- لا بالذات، ولا بالواسطة، إنما هي متلقاة عن أهل الكتاب الذين أسلموا، فثبوتها إلى من رويت عنه شيء، وكونها مكذوبة في نفسها أو باطلة أو خرافة شيء آخر.
بعض الأحاديث التي فيها موافقات وفيها مخالفات فيما مضى:
نقول: إن الحديث الذي أورده جابر فيما مضى، والذي رواه أبو هريرة أنهم كانوا يقرؤون التوراة بالعبرانية ويفسرونها، نريد أن نلقي نظرة عابرة، الحديث الذي رواه جابر، والذي يفيد نهي المسلمين عن سؤال أهل الكتاب، السبب في نهي الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك أن ثقافات أهل الكتاب لا يوثق بها؛ لأنهم حرفوا الكلم عن مواضعه، وبدلوا الكتب التي أنزلها الله على رسلهم، وفيها اضطرابات وفيها بلبلة، فهذا النهي إنما هو في سؤالهم عما لا نص فيه؛ لأن شرعنا مكتف بنفسه، كامل مهيمن، لا ينقصه شيء، فإذا لم يوجد فيه نص، ففي النظر والاستدلال غنى عن سؤالهم، الذي يدخل فيه البعض.