بعد هذا نستطيع أن نقول: مع التوقف عن التصديق وعن التكذيب، الصنف الثالث الذي لا نؤيده، ولا نعارضه، المسكوت عنه، هل تجوز روايته؟ الإسرائيليات التي سكتت عنها شريعتنا، هل يجوز روايتها؟
نقول:
اختلف العلماء في ذلك، فبعض العلماء أجاز روايةَ هذا النوع من الإسرائيليات، ومن العلماء الذين أجازوا ذلك الإمام ابن تيمية، وأيضًا وافقه الأستاذ الدكتور الذهبي -عليه رحمة الله- حيث يقول الشيخ الذهبي: وما سكت عنه شرعنا توقفنا فيه، فلا نحكم عليه بصدق، ولا بكذب، وتجوز روايته؛ لأن غالب ما يروى من ذلك راجع إلى القصص والأخبار لا إلى العقائد والأحكام، وروايته ليست إلا مجرد حكاية له، كما هو في كتبهم، أو كما يحدثون به بصرف النظر عن كونه حقًّا أو غير حق.
لكن بعض العلماء الآخرين قالوا: لا يجوز رواية هذا النوع من الإسرائيليات، من هؤلاء الدكتور عبد الوهاب فايد، وآخرون سأذكرهم الآن؛ حيث يقول: ولكنني أرى هذا القسم المسكوت عنه، وهو الذي لا نعلم صدقه، ولا كذبه، لا تجوز روايته، بل يجب أن نتوقف في روايته، كما توقفنا في قبوله؛ لأن روايته توهم قبوله والتصديق به، وما دمنا قد توقفنا في قبوله، فمن الأحوط أن نتوقف كذلك في روايته، إذًا فالمقياس في القبول والرواية واحد، وهو ما ورد من نصوص في القرآن أو السنة، فما كان من الإسرائيليات موافقًا لذلك قبلناه وأجزنا روايته، وما كان منها مخالفًا لذلك رددناه أخذًا، وأبطلنا روايته، وما كان مسكوتًا عنه في ديننا؛ بحيث لا يكون في نصوص القرآن أو السنة ما يوافقه، ولا ما يخالفه توقفنا في قبوله؛ عملًا بالحديث الشريف، وأرى كذلك أن نتوقف في روايته قياسًا على توقفنا في قبوله وسدًّا للذريعة.