أما التابعون، فالأمر يختلف، لأن التابعين توسعوا في الأخذ عن أهل الكتاب، ولم يلزموا أنفسهم بالمنهج الذي كان عليه سلفهم من تمحيص الأخبار، ووزنها بميزان الشرع الدقيق، فكثرت في أيامهم الروايات الإسرائيلية في التفسير، ويرجع ذلك أيضًا لكثرة من دخل من أهل الكتاب في الإسلام، وميل نفس القوم لسماع التفاصيل عما يشير إليه القرآن من أحداث يهودية أو نصرانية، فظهرت في هذا العهد جماعة من المفسرين، أرادوا أن يسدوا الثغرات القائمة في التفسير بما هو موجود عند اليهود وعند النصارى، فحشوا كتب التفسير بكثير من القصص المتناقض أو الباطل أو الذي يتصادم مع بعض الآيات القرآنية. من هؤلاء: مقاتل بن سليمان، وكعب الأحبار، ووهب بن منبه، وغير هؤلاء.
ثم جاء بعد عصر التابعين من عظم شغفه بالإسرائيليات، وأفرطوا في الأخذ منها، إلى درجة جعلتهم يقبلون كل شيء، لا يردون قولًا، ولا يحجمون عن أن يلصقوا بالقرآن كل ما يسمعون، وكل ما يروى لهم، وإن كان يخالف العقل أو الشرع، إلى أن جاء دور التدوين للتفسير، لا سيما التفسير بالمأثور، فوجد من المفسرين من حشوا كتبهم بهذا القصص الإسرائيلي، الذي كاد يصد الناس عن النظر في آيات الله والاهتداء بهديه.
وكان عصر ما بعد التابعين مليئًا بالروايات الإسرائيلية، ونقل كثير من المفسرين قصصًا وروايات في كتبهم مما يتنافى مع عصمة الأنبياء، وقد ساعد على هذا أناس نقلوا لنا هذا، نشك في عقيدتهم، بل إن رجال الحديث والكتب التي تحدثت عن الرجال بينت أنهم اتصفوا بالكذب، أمثال محمد بن السائب الكلبي، ومحمد بن مروان السدي الصغير، بالإضافة إلى مقاتل بن سليمان، الذي ذكر آنفًا.