المثال الآخر: أبو هريرة أيضًا يسأل عبد الله بن سلام عن تحديد هذه الساعة: فمتى تكون؟ ويقول له: "أخبرني، ولا تضن علي. فيجيبه ابن سلام بأنها آخر ساعة في يوم الجمعة، فيرد عليه أبو هريرة بقوله: كيف تكون آخر ساعة في يوم الجمعة، وقد سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لا يصادفها عبد مسلم، وهو يصلي)) وتلك الساعة لا يصلي فيها أحد، فيجيبه ابن سلام بقوله: ألم يقل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من جَلَس مجلسًا ينتظر الصلاة، فهو في صلاة حتى يصلي)) ". انظر إلى هذه المراجعات بين أبي هريرة وكعب، وبين أبي هريرة وبين ابن سلام، كلها تدل على أن الصحابة كانوا يسمعون، ويتناقشون مع أهل الكتاب، ويتحرون الصواب ما استطاعوا، لا يقبلون كل ما يقال لهم عن أهل الكتاب، إنما كانوا يزينون ما يقولونه، إن وافق ما عندنا كانوا يصدقون، وإن خالف كانوا لا يصدقون.
كانوا يسألون عن أشياء لا تعدو أن تكون توضيحًا لقصة أو بيانًا لما أجمله القرآن الكريم منها، يعرفون التفصيل، ويتوقفون فيما يلقى إليهم بالصدق أو الكذب عملًا بقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تصدقوا أهل الكتاب، ولا تكذبوهم و {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ ... } الآية (البقرة: 136)))، كما أن صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لم يسألوهم عن أشياء تتعلق بالعقيدة أو تتصل بالأحكام إلا إذا كان على وجه الاستشهاد والتقوية، كما كانوا لا يسألون عن الأشياء التي يشبه أن يكون السؤال عنها نوعًا من اللهو أو العبث، يعني: ما كان صحابة رسول الله يتساءلون عن الأمور التي لا جدوى لها عن لون كلب أهل الكهف، ومثلًا عصا موسى كانت من أي شجر، الطير الذي كان أحياه الله لإبراهيم ما أسماؤه، هذه الأمور لا تسمن ولا تغني من جوع، هذا مبلغ رجوع صحابة رسول الله إلى أهل الكتاب.