ثالثًا: سئل أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- عن تفسير حرفٍ من القرآن، فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني، وأين أذهب وكيف أصنع، إذا قلت في حرف من كتاب الله؛ أي: في كلمة من كتاب الله بغير ما أراد الله، وفي رواية: إذا قلتُ في كتاب الله بما لا أعلم.
وأيضًا أوردوا عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن تفسير آية من آيات القرآن، قال: أنا لا أقول في القرآن شيئًا، بينما لو سئل عن الحلال والحرام تكلم.
وروي عن الشعبي أنه قال: ثلاثة لا أقول فيهن حتى أموت؛ القرآن والروح والرؤى -الرؤى هي تفسير الأحلام- وروي مثل هذا أدلةٌ كثيرة.
والذين أجازوا التفسير بالرأي والاجتهاد ناقشوا هذه الأدلة؛ قالوا: أما الأحاديث التي وردت في صحتها وثبوتها نظر، وأن المراد من قول من يقول في القرآن: إنني لا أتكلم، واتقوا الحديث وإنكار أبو بكر هذا يحمل على أن المراد من يفسر بمجرد رأيه وهواه، بأن يجعل الرأي أصلًا والقرآن تبعًا لرأيه؛ وذلك بأن يكون المسألة فيها رأي، وإليه ميل بطبعِهِ وهواه، فيتأول على وفق رأيه وهواه؛ فهذا لا شك مردود.
وأن المراد بالأحاديث التي ترفض، والتي تحذر من القول في القرآن المراد من يفسر المتشابه الذي لا يعلمه إلا الله -تبارك وتعالى- أو الذي يفسر القرآن، ولم يستكمل العلوم اللغوية والشرعية التي تؤهله، فمثل هذا وإن أصاب القول والصواب؛ فقد أخطأ الطريق الصحيح في تفسيره.
وما ذكر عن السلف من أنهم كانوا يتحاشون الكلامَ في القرآن فأيضًا هذا ما عارضه ما ورد عن الصديق -رضي الله عنه- فقد سئل عن معني الكلالة، فقال: أقول فيها