إذًا إن الزنادقة وضعوا قدرًا كبيرًا من الأحاديث في العقائد والأخلاق، والحلال والحرام؛ يفسدون بها الدين، ولكن اللهَ قيض للأمة الإسلامية من يحفظ لها دينها من إفساد هؤلاء الزنادقة وعبثهم؛ فقام جهابذة الحديث ونقاده ببيان هذه الأحاديث الموضوعة، وكشفوا عن بطلانها.
ثانيًا نقول: من أسباب الوضع في الحديث غير الزندقة؛ مناصرة البدع والآراء والأهواء ومتابعة الضلالات واتباع الهوى دون دليل من القرآن أو السنة؛ ظل المسلمون فكرًا واحدًا وجماعة قوية متحدة لا يتحكم فيها هوى، ولا يتسلط عليها شيطان مدةً من الزمن إلى أن نجح أعداء الإسلام في زرع الفتنة، وهذه الفتنة التي تمثلت في قتل الخليفةِ الثالث عثمان بن عفان -رضي الله عنه- فَإِثْرَ ذلك انقسم المسلمون بعد ذلك، انقسموا إلى شيعة وخوارج وجمهور أهل السنة، الشيعة هم الذين شايعوا عليًّا وقبلوا التحكيم، الخوارج هم الذين خرجوا على علي بعد قبول التحكيم وانصرفوا عنه وعادوا الشيعة، وكانت حجتهم أنهم: يعدون قبولَ التحكيم كفرًا، وظهر طبعًا جمهور المسلمين من أهل السنة والجماعة، وهم الذين وقفوا على الحياد، لم ينغمسوا في التشيع، ولم يخرجوا مع الخوارج؛ فلم يغمسوا أيديهم في تلك الفتنة، ولم يلوثوها ببدعة الخروج، ولا التشيع.
كما ظهرت فرق كلامية كثيرة؛ كالمعتزلة بعد ذلك، والمرجئة، والجبرية، والجهمية، والكرامية؛ فرق كثيرة، وكان بالطبع لكل طائفة من هذه الطوائف آراء ومذاهب، وكل طائفة تدَّعِي أنها وحدها على الحق اليقين، وأن غيرها يهيم في ضلال مبين، بل نظرت كل فرقة إلى ظاهر النصوص من الكتاب والسنة، وحاولت من غير كللٍ أو ملل لَيَّ عنق النص -يعني: يؤولون الآيات والأحاديث بما يتفق مع أهوائهم، وينتصر لمذاهبهم ويا ليت الأمر وقف عند