يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروم في أحول الدين والدنيا، فهو محتاج إلى مآخذ متعددة، ومعارف متنوعة، وحسن نظر وتثبت.
ويستطرد قائلًا: ولو قيس الغائب منها على الشاهد، والحاضر بالذاهب، فربما لم يؤمن فيها من العثور ومزلة القدم، والحيد عن جادة الصدق، وكثيرًا ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع؛ لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غث ًّ اأو سمينًا، ولم يعرضوها على أصولها، ولا قاسوها بأشباهها ولا ثبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات.
ويستطرد ويقول: إن هذه الحكايات هي مظنة الكذب، ومطية الهذر ولا بد من ردها إلى الأصول وعرضها على القواعد، وهذا كما نقل المسعودي وكثير من المؤرخين في جيوش بني إسرائيل وأن موسى أحصاهم في التيه، بعد أن أجاز من كان يطيق حمل السلاح خاصة من ابن عشرين فما فوقها، فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون، ويذهل في ذلك عن تقدير مصر والشام واتساعهما لمثل هذا العدد، ولقد كان ملك الفرس ودولتهم أعظم من ملك بني إسرائيل بكثير، يشهد لذلك ما كان من غلب " بختنصر " لهم والتهامه بلادهم واعتدائه على أمرهم وتخريب بيت المقدس، إلى آخره، وكانت ممالكهم بالعراق وخرسان وما وراء النهر، أوسع من ممالك بني إسرائيل بكثير، ومع ذلك لم تبلغ جيوش الفرس قط مثل هذا العدد ولا قريبًا منه، وأعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة وعشرين ألفًا كلهم متبوع إلى آخره.
ويستطرد ابن خلدون، يقول: فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لاتسع نطاق ملكهم، وانفسح مدى دولتهم، إلى آخره، وأيضًا فالذي بين موسى وإسرائيل