الصفة الخامسة: العفة واليأس مما في أيدي الناس، على الخطيب أن يكون عفيفًا نزيهًا لا يتطلع إلى ما في أيدي الناس، فإن الله -تبارك وتعالى- قال لنبيه -عليه الصلاة والسلام-: {وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى} (طه: 131)، فعلى الخطيب ألا يتطلع إلى ما في أيدي الناس، وأن ييأس منه، فمن يأس مما عند الناس استغنى عنه فيبقى سيدًا محبوبًا جليلًا مهيبًا ينتفع به كما حكي أن رجلًا دخل البصرة، فقال: من سيد هذا البلد؟ قالوا: الحسن قال: وبم سادهم؟ قالوا: "احتاج الناس إلى علمه واستغنى هو عن دنياهم".

والنبي -عليه الصلاة والس لام- قد قال لرجل قال: يا رسول الله أوصني وأوجز، فقال: ((عليك اليأس بما في أيدي الناس، فإنه الغنى، وإياك والطمع، فإنه الفقر الحاضر، وصلِّ صلاتك وأنت مودع وإياك مما يعتذر منه)).

وقال أبو سعيد الحسن البصري -رحمه الله-: "لا يزال الرجل كريمًا على الناس حتى يطمع في دينارهم، فإذا فعل ذلك استخفوا به وكرهوا حديثه وأبغضوه". وبالجملة فواجب على الخطيب أن يكون نزيه النفس، وأن ينأى عن شبه المكاسب، وأن يكتفي باليسير القليل وأن يستعز بعزة القناعة:

هي القناعة فاحفظها تكن ملكًا ... لو لم يكن لك منها إلا راحة البدن

وانظر إلى من ملك الدنيا بأجمعها ... هل راح منها بغير الطيب والكفن

ومن الصفات الواجبة في حق الخطيب أن يكون قوي البيان، فصيح اللسان، وإلا كان النفع منه بعيدًا، بل كان ما مثال الخزي والعار على الإرشاد وأهله، فإن مدار الأمر على البيان والتبيين والإفهام والتفهيم، وكلما كان اللسان أبين كان أقوى وأجمل، كما أنه كلما كان القلب أشد استبانة كان أحمد وأكمل، وقد سأل موسى -عليه السلام-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015