العقلاء، فإن من تناول شيئًا وقال للناس: لا تتناولوه، فإنه سم مهلك سخر الناس منه، واستهزئوا به واتهموه في دينه وعلمه وورعه، وزاد حرصهم على ما نهوا عنه؛ فيقولون: لولا أنه أطيب الأشياء وألذها ما كان يستأثر به، كذلك الداعي إذا خالف فعله قوله.

والله -سبحانه وتعالى- قد أنكر على هؤلاء الخطباء، فقال -عز وجل-: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} (البقرة: 44)، وفي الحديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مررت ليلة أسري بي بقوم لهم أظفار من نحاس يخمشون بها وجوههم وصدورهم؛ فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء خطباء أمتك الذين يقولون ما لا يفعلون)).

وعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقطاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار في الرحى، فيجتمع أهل النار إليه، فيقولون: يا فلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف، وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى، كنت آمر بالمعروف ولا آتيه، وأنه عن المنكر وآتيه)).

فتعلم أيها الخطيب، فإن العلم سلاحك في الدعوة إلى الله -عز وجل- واعمل حتى تكون أسوة حسنة لمن تعلمهم.

الصفة الثالثة من صفات الخطيب: سعة الصدر، فكمال العلم في الحلم، ولين الكلام مفتاح القلوب؛ فيستطيع أن يعالج أمراض النفوس وهو هادئ النفس مطمئن القلب لا يستفزه الغضب، ولا يسثتيره الحمق، فتنفر منه القلوب، وتشمئز منه النفوس، وحسبك في هذا قول الله تعالى لإمام الدعاة محمد -صلى الله عليه وسلم-: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران: 159)، فلو كان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015