ثم إن الخطيب داعية لله عز وجل، والدعوة إلى الله يشترط لها البصيرة، والبصيرة هي العلم كما قال الله تعالى لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108)، والبصيرة لا تأتي في قلب الداعية إلا من العلم، ثم إن الله -تبارك وتعالى- جعل القول عليه بغير علم عملًا من عمل الشيطان فقال -عز وجل-: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: 168، 169).
فلما كان القول على الله بغير علم عملًا من عمل الشيطان لا جرم كان من أصول المحرمات كما قال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (الأعراف: 33).
والقول على الله بغير علم يشمل القول على الله بغير علم في أسمائه وصفاته، وأفعاله، ودينه وشرعه، وقد قلنا: أن الدعوة إنما هي إلى هذا، الدعوة هي تعريف الله -تبارك وتعالى- إلى عباده بأسمائه وصفاته وأفعاله، تعريفهم بدين الله، تعريفهم بشرع الله عز وجل، وهذا كله يحتاج إلى أصل، ودليل، وبرهان من كتاب أو صحيح سنة، فإذا لم يكن عند الخطيب أصل ولا دليل ولا برهان، وقع في القول على الله بغير علم، فصد عن سبيل الله من حيث ظن أنه يدعو إلى الله -عز وجل- والله -تبارك وتعالى- يقول: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (النحل: 116، 117).
فعلى الخطيب أن يحذر كل الحذر أن يقول لشيء حلال، وليس معه على حله برهان، أو يقول لشيء حرام وليس معه على حرمته برهان، وليحذر الخطيب