من التحلي بالفضيلة والتخلي عن الرذيلة، اعتقد الناس فيهم ذلك وأملوهم له، فأحلوهم من أنفسهم محلًّا لما يبلغه سواهم من البشر حتى اكتسبوا في قلوبهم مكانة يغبطون عليها، وربحوا منزلة تصبوا إليها نفوس ذوي الهمة والفضل، وناهيك بقوم إذا فعلوا لحظتهم العيون، وإذا قالوا أصغت إليهم الآذان، ووعت القلوب وحكت الألسن، فهم مطمح الأنظار وموضع الثقة والحجة البالغة، والبرهان القاطع، والنور الساطع للناس أجمعين، {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (فصلت: 33)، {دَعَا إِلَى اللَّهِ} أي: دعا إلى توحيده وطاعته، وعمل صالحًا فيما بينه وبين ربه، واتخذ الإسلام دينًا ونحلة، حقًا ليس أحد أعظم شأنًا، وأسعد حالًا ممن جمع بين هذه الفضائل الثلاث، فكان موحدًا لله تعالى عارفًا به عاملًا داعيًا إليه، وما هم إلا طبقة العالمين العاملين الدعاة إلى الله عز وجل من ذوي القلوب الحية، والإيمان الصادق، والإخلاص الصحيح.
ولا ريب أن الله تعالى ربط سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة بالوقوف عند حدوده، وامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأنه بمقدار وقوف العبد عند حد الأدب مع مولاه يكون حظه من تلك السعادة وغني عن البيان أن السادة العلماء قد انفردوا بفهم الأوامر والنواهي، وبثها للناس وبقدر قيامهم على حدود الله تعالى وإتباعهم لأوامره واجتنابهم لنواهيه يكون إتباع الأمة واجتنابها، فإذًا سعادة الأمة في قبضه السادة العلماء إذا صلحوا صلح الناس، وإذا فسدوا فسد الناس، ومن هنا كانت وظيفتهم خطيرة ومسئوليتهم عظيمة، وتزداد وظيفتهم خطرًا ومسئوليتهم عظمًا إذا هم تصدوا للدعوة والإرشاد.