وضح الفرق بينهما إذا لاحظنا صعوبة مهمة الخطيب دون الكاتب، فإذا كان الكاتب يملأ الذهن بالأفكار، فإن الخطيب فوق ذلك يشعل هذه الأفكار، ويفجر العواطف خلال النفس تفجيرًا تتحول به الأفكار إلى قذائف للحق تحرق وتنير في نفس الوقت، ومن السهل على كاتب أن يجلس في الظل بعيدًا عن أعين الجمهور الراصدة، وفي الوقت الذي تتوفر له إمكانات الكتابة من مزاج معتدل، ومراجع حاضرة، ونزوة من النقد المباشر أو السخرية يواجه الخطيب قومًا يرونه ويسمعونه بل ويسجلون حديثه.
وبمناسبة ذكر تسجيل الحاضرين حديث الخطيب أذكر الخطيب بتسجيل ملائكة رب العالمين للخطبة، فإن الله -تبارك وتعالى- قال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} (ق: 16 - 18).
فهذان الملكان لا يغادران لفظًا من ألفاظ الإنسان عمومًا إلا ويسجلانه، ومن هذه الألفاظ ألفاظ الخطبة، فكن على حذر أيها الخطيب احذر أن تسجل عليك الملائكة في خطبة ألفاظًا تكون عليك لا لك، واعلم أنه فضلًا عن تسجيل الملائكة لأقوالك وألفاظك في الخطبة، فإن رب العالمين يسمعك من فوق سبع سموات يقول الله -تبارك وتعالى-: {أَمْ أَبْرَمُوا أَمْرًا فَإِنَّا مُبْرِمُونَ * أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى -يعني: بلى نسمع - وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ} (الزخرف: 79، 80)، فالله يسمعه والملائكة تكتب خطبتك، والله سائلك يوم القيامة عن أغراض الخطبة، وأهدافها وعن كل لفظ قلته في هذه الخطبة، فهلا أعددت للسؤال جوابًا.
أعود بعد هذا الاستطراد، فأقول: شتان بين الخطيب والكاتب، فمن السهل أن يجلس الكاتب في الظل بعيد عن أعين الجمهور الراصدة، وفي الوقت الذي تتوفر