مدونًا، ولا بد من جمهور يستمع وإلا كان الكلام حديثًا أو وصية، ولا بد من الإقناع، وذلك بأن يوضح الخطيب رأيه للسامعين، ويؤيده بالبراهين ليعتقدوه كما اعتقده. ثم لا بد من الاستمالة، والمراد بها أن يهيج الخطيب نفوس سامعيه أو يهدئها، ويقبض على زمام عواطفهم يتصرف بها كيف شاء سارًّا أو محزنًا مضحكًا أو مبكيًا، داعيًا إلى الثورة أو إلى السكينة".

وإذًا فأسس الخطابة هي هذه الأربعة: مشافهة، وجمهور، وإقناع، واستمالة، فالخطابة فن، أي إنها وإن كانت استعدادًا فطريًّا لا يباع ولا يشترى، فهي مع ذلك فن من الفنون يمكن تعلمه بالممارسة.

يقول أرسطو: "بعض الناس يمارس الخطابة فطرة وسليقة، وبعضهم يمارسها بالمرانة التي اكتسبها من مقتضيات الحياة، والوسيلتان ممكنتان، فواضح أن تكون هناك طريقة وأن يكون هناك مجال لتطبيقها، ولضرورة النظر في السبب الذي يؤدي إلى نجاح هذا العمل المنساق بالعادة، أو المندفع بالفطرة أو السليقة، لا يشك إنسان في أن مثل هذه الدراسة من خاصة الفن".

أما المخاطبة فإذا كان كاتب المقال يسطر أفكاره على الورق، ويغير من أفكاره ما شاء له التغيير، فإن الخطيب مسئول أن يبلغ رسالته مباشرة وأمام الجمهور مواجهة، بكل ما تحمله المواجهة من أخطار، والخطيب لا يواجه فردًا أو اثنين أو ثلاثة ولكنه يلاقي جمهورًا غفيرًا، ومع كثرته فهو متعدد المستويات متنوع الثقافات، ويفرض ذلك على الخطيب أن يكون ذا إرادة قوية وصوت عالٍ وانفعال بما يقول؛ ليستطيع بذلك السيطرة والإمساك بزمام موقف معقد متعدد الجبهات والمفاجآت. ويتميز الخطيب بلون من الأداء، فليس الخطيب بالقاص الذي يسرد الوقائع سردًا، وليس مؤرخًا يحكي أحداث التاريخ بصوت رتيب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015