ثم بعد ذلك تكون النتيجة فيها تلخيصًا للموضوع واستخلاصًا للعبرة والدروس المستفادة منه وإلزام للمستمع بما في الخطبة بعدما ما اقتنع به، وميزة هذه الطريقة في تقسيم الموضوع وتسلسل أفكاره وعناصره أن الناس إن عجزوا عن استيعاب التفصيلات الجزئية، فلم يعجزوا عن استيعاب العناصر الأساسية التي يعرضها الخطيب في خطبته مقسمة مسلسلة تسلسلًا منطقيًّا، وبإمكان كل فرد من المستمعين أن يفسرها لنفسه تفسيرًا مقبولًا، وبهذا يظل الموضوع حيًّا واضحًا للأذهان باقيًا ببقاء القرينة، وهي التقسيم والتسلسل المنطقي.
ومن المعلوم أن عناصر الخطبة ليست كلها سواء في الأهمية؛ فمنها ما هو حتمي وضروري، ومنها ما هو تكميلي فعلى الخطيب أن يختار العناصر ذات الأهمية لموضوعه وأن يلح عليها بالشرح والأمثلة، بينما لا يفعل ذلك بالأجزاء الأخرى التي هي دون تلك في الأهمية، وكل ذلك يتوقف على تقسيم الخطبة وتركيبها، وترتيب أقسامها حتى إذا انتهى الخطيب من خطبته يكون المستمعون قد أدركوا الهدف الذي يرمي إليه الخطيب، وإليك هذا المثال:
لو قلنا: أراد خطيب أن يدعو إلى التبرع لبناء ملجأ خيري يأوي الأيتام والفقراء، فكيف يوجه الخطيب خطبته؟ وكيف يعرض موضوعه؟ أقول: أولًا يجب عليه أن يأتي بمقدمة وجيزة تبين أن الإسلام دين التعاون، وأن المسلمين أمة واحدة يجمعهم شعور الإخاء ويؤذيهم أن يكون بينهم جائع أو عارٍ أو محتاج، وأن الدين الإسلامي يأمرهم بتحاشي وجود شيء من ذلك بينهم، ثانيًا ينتقل بعد هذا إلى التعريف بحال الملجأ الذي يدعوا لبنائه وإقامته، ويصف ما يقدمه هذا الملجأ للأيتام والفقراء الذين يؤون إليه،