والدعوة إلى الله وذكر آلائه تعالى التي تحببه إلى خلقه، وأيامه التي تخوفهم من بأسه، والأمر بذكره وشكره الذي يحببهم إليه؛ فيذكرون من عظمة الله وصفاته وأسمائه ما يحببه إلى خلقه، ويأمرون من طاعته وشكره وذكره ما يحببه إليهم، فينصرفون السامعون، وقد أحبوه وأحبهم، ثم طال العهد وخفي نور النبوة، وصارت الشرائع والأوامر رسوم تقام من غير مراعاة حقائقها ومقاصدها، فأعطوها صورها وزينوها بما زينوها به فجعلوا الرسوم والأوضاع سنن لا ينبغي الإخلال بها، وأخلوا بالمقاصد التي لا ينبغي الإخلال بها، فرصعوا الخطب بالتسجيع والفقر وعلم البديع فنقص بل عدم حظ القلوب منها وفات المقصود بها".
فمما حفظ من خطبه -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يكثر أن يخطب بالقرآن، وسورة "ق"، قالت أم هشام بنت الحارث بن النعمان: ((ما حفظت "ق" إلا من في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مما يخطب بها على المنبر)).
فعلى الخطيب أن يحسن اختيار موضوعه، وأن يحدد الهدف منه والأغراض التي يريد أن يخرج بها هو وجمهوره من هذه الخطبة.
كل خطبة تتكون من عناصر أيًّا كانت قليلة أو كثيرة، وهذه العناصر ينبغي أن تكون مسلسلة تسلسلًا منطقيًّا، مقبولًا كل عنصرًا يسلم للذي يليه كتسلسل درج السلم، فيبدأ الخطيب بمقدمة ثم يعرض الموضوع شرحًا وتفصيلًا، ثم استدلال عقليًّا ونقليًّا ثم نتيجة أو خاتمة، وكل جزء من هذه الأجزاء مبنيًا على ما قبله، فالمقدمة تلفت انتباه السامع إلى موضوع الخطبة، وعرض الموضوع وشرحه يوحي بأهميته وضرورته، والأدلة النقلية والعقلية تقنع المستمع وتحفزه إلى موضوع الخطبة، وتحرضه على العمل والالتزام به.